السبت، 13 مايو 2017

دحض الافتراءات على علمية القرآن - مركزية الأرض من الكون - مختصر


كتبه عزالدين كزابر
الافتراء الأول
Geocentricism
قال الكافر:
مركزية الأرض من الكون - مختصر
  
يذكر القرآن عدة مرات أن الشمس والقمر يرحلان/يطوفان travel في مدار (في فلك – أي مسار دائري)، ولكنه لم يذكر أن الأرض تفعل أيضاً نفس الشيء. وهذا يتطابق مع نموذج مركزية الأرض في رؤيته للكون، والذي يرى أن الأرض ساكنة، وتقع في مركز الكون، وأن كل الأجرام السماوية تطوف حول الأرض. وكان هذا هو الفهم السائد للكون قبل القرن السادس عشر الميلادي، عندما ساعد كوبرنيكوس في تفسير وشيوع نموذج مركزية الشمس في رؤيته للكون. وصدقاً نجد في القرآن أن مدار الشمس يكاد أن يأتي دائماً في سياق الحديث عن الليل والنهار (باستثناء آية الرعد: 2)، ودائماً ما يرد ذكره مع مدار القمر، والتي يدور بالفعل حول الأرض، ويظهر للبسطاء من الناس وكأنه يعبر السماء كل ليلة بحسب ما تبصره عيونهم.
  
}وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40){(يس: 36: 37-40)
  
وفي هذا المقطع (يقصد الآيات) يتحدث القرآن عن الليل والنهار، والذي جاء مباشرة بعد وصف التغير من النهار إلى الليل. ويقول المقطع أن الشمس تجري قدما إلى موقع استقرار لها (لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا). ويوجد أيضاً حديث صحيح (صحيح مسلم 1: 297) يتكلم عن دورة الشمس الدورية في كل يوم بنفس الكلمة العربية (يقصد: مُسْتَقَر) والتي تعني موقع استقرار، وأنه يقع تحت عرش الله، وأن الشمس في كل ليلة تسجد وتسأل السماح لها بالذهاب والطلوع من موضع طلوعها (مِنْ مَطْلِعِهَا). وأن هذه الدورة تتكرر، حتى يأتي يوم يسأل الله الشمس أن تطلع "من موضع غروبك" (مِنْ مَغْرِبِكِ).
  
وهناك رؤية بديلة للمعنى، مفادها أن المقصود هو الإشارة إلى موضع استقرار الشمس النهائي في اليوم الآخر. وتتكلم آيات أخرى عن سباحة الشمس "لأجل مسمَّى" (باستخدام كلمة عربية مختلفة). وفي نسخة أخرى من الحديث السابق ربما يدعم هذه الرؤية (لمزيد من التفصيل عن كل هذه الأشياء أنظر الحواشي في المقالة التفصيلية). وأيَّاً كان التأويل المقصود، فإن حركة الشمس رغم ذلك مذكورة مباشرة بعد وصف الليل والنهار، مثلما أن الآية التالية تذكر المنازل المختلفة التي يقع فيها القمر كل ليلة. فالمقطع بكامله يتكلم عن الليل والنهار وحركة الشمس والقمر في هذا السياق.
  
}وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ{(الأنبياء:33)
  
ويسعى بعض (المسلمين) إلى التوهين من التفسير السابق في وصف القرآن لحركة الشمس في مدارها (يقصد حول الأرض) واللجوء إلى أن الشمس تدور حول الثقب الأسود في مركز مجرة درب التبانة، مرة كل 225 مليون سنة. وهذا التفسير الأخير ليس إلا فرضية اعتباطية ترقيعية، ولا علاقة بينها وبين الأبعاد المستوعبة إنسانياً، ولا يوجد في النص القرآني ما يتضمن دوران الشمس حول أي شيء آخر غير الأرض. وإذا كان مؤلف القرآن يمتلك أي معرفة عن دوران الشمس حول ثقب أسود، لكان في وسعه أن يذكر ذلك صراحة، أو يميز بين ذلك الفلك للشمس وفلك القمر، ومن الواضح جداً (يقصد في طول القرآن وعرضه) أنه لم يفعل، (مما يدل على خلاف ذلك).
  
}أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29){ (الشمس)
  
وليلاحظ القارئ أيضاً (يقصد في هذه الآية) أن مؤلف القرآن توقع أن جريان/طوفان الشمس شيء قد رآه الناس (وهو ما يمثل إشكالية أخرى أمام التأويل المجري (يقصد حول المجرة) لفلك الشمس)
  
}وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2){(الشمس)
  
الكلمة العربية (يقصد "تَلَاهَا") والتي تُترجم إلى follow تُعرَّف بالأساس بمعنى يتبع، أو يذهب أو يمشي خلف، ويتبع (غيره) على سبيل التقليد، أو الفعل .. إلخ. وغالباً ما كانت تُستخدم في وصف الحيوانات كالبعير التي تتبع بعضها بعضا. ولكن القمر لا يتبع حركة الشمس، ولا أن ضوءها متوقد ذاتياً كضوء الشمس. والانطباع الأغلب على هذه الآية أنها تكشف عن رؤية للكون يكون فيه القمر والشمس متبعان نفس المسار واحداً وراء الآخر، وهو ما يمكن أن يكون تصور شخص عاش في القرن السابع الميلادي إذا تطلَّع إلى السماء. وهناك اختيار آخر لمعنى "تلاها" أقل ارتياباً، إذا افترضنا مزيد من العصمة للقرآن، وفيه أن الشمس والقمر يظهران واحداً وراء الآخر. وسوف يحدث في يوم ما، وبدلاً من أن يتبع القمر الشمس، سيحدث أن يجتمع به طبقاً لآية أخرى (أنظر موضوع: أحجام ومسافات مختلفة للشمس والقمر). [يقصد باجتماع القمر والشمس الآية: }وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)  (القيامة){ ]
  
}قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{(البقرة: 258)

هنا يروي القرآن عدة أسطر من مناظرة وقعت بين إبراهيم وملك كافر، وفيها يجيب إبراهيم أن الله يأتي بالشمس من المشرق. ويدل الفعل العربي وحرف الجر (يأتي بـ) على أن الشمس تتحرك بالفعل. فالفعل يعني (يأتي)، وإذا أُرفق المأتي به بحرف الجر (بـ) فالمعنى أن يجلبه. وهو المعنى الذي جاء في القرآن مرارا. ورغم أن رواية المناظرة جاءت في كلمات إنسانية بسيطة، إلا أن مؤلف القرآن يعتقد بوضوح أنها إجابة شافية ولا يرى فيها أي إشكال.
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطأ الأول:

قوله: [يذكر القرآن عدة مرات أن الشمس والقمر يرحلان/يطوفان travel في مدار (في فلك – أي مسار دائري)]

موطن الخطأ: أتى بلفظ travel (يرحل/يطوف) ليكافئ به لفظ القرآن (يسبح)، ولفظ (يرحل/يطوف) أعم من يسبح. فانتقل بذلك من خاص الحركة إلى العام منها. وسينتج عن ذلك أن يصف الشمس في حركتها في فلكها بغير السباحة، مثل محض التنقُّل، وهذا خطأ.

الصواب
الشمس والقمر يسبحان في فلكيهما، ولا يقال هنا يجريان، والتي جاءت في موضع آخر فيما يخص المستقر، أما لفظ travel بمعنى يرحل أو يطوف فقد أخفى المعنى المراد من يَسبَحون. ومرجع حركة كل جرم في فلكه – والتي استند إليها الكافر هنا بسطحية فجة - قول الله تعالى "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)"(الأنبياء). وسوف يخطئ الكافر مرة أخرى ويُسوِّي بين (يسبح) ولفظ (يجري) في حديثه عن الشمس كما سنرى.

************
الخطأ الثاني:

قوله: [... لم يذكر أن الأرض تفعل أيضاً نفس الشيء (يقصد السباحة في فلك يخصها). وهذا يتطابق مع نموذج مركزية الأرض في رؤيته للكون، والذي يرى أن الأرض ساكنة، وتقع في مركز الكون، وأن كل الأجرام السماوية تطوف حول الأرض.]

موطن الخطأ: سوّى الكافر بين عدم ذكر القرآن سباحة الأرض في فلكها يخصها، ونفي سباحة الأرض. ومعلوم أن عدم التصريح بشيء لا يعني الالتزام بنقيضه.

الصواب: 
لو كان الكافر علمياً موضوعيا، لكان عليه أن يفعل هنا شيئين: الأول أن يقر أن القرآن لم يصرح أو يُضَمِّن أي معنى لدوران الأجرام جميعا حول الأرض. بمعنى أن القرآن برأ من الخطأ الثقافي الشائع وقت نزوله ولقرون عديدة بعده من التصريح بمركزية الأرض من الكون. الثاني: كان على الكافر أن يتساءل عن سبب عدم تصريح القرآن ومجاهرته بسباحة الأرض. ولو فعل وتساءل لأجابه المتخصصون بالتعليم أن إخبار المتعلمين بالحقائق التي تناقض تصوراتهم مناقضة فجة، وقبل التمهيد الكافي، يؤدي إلى انفضاضهم عن التعليم برُمّته، واستنكارهم لهذا الحق، وردهم لما قبلوه من بعض الحق قبله. وفي ذلك قال عليّ رضي الله عنه: (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ –  "بما يعرفون" أي: بما يمكن أن يعرفوه ، وتبلغه عقولهم)، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).

وبدلاً من أن يقر الكافر المدعي العلمية ببراءة القرآن من التصريح بالأخطاء الفلكية الشائعة والتي ظلت حتى القرن السادس عشر، كما قال، وبدلاً من أن يستفهم عن سبب عدم التصريح بتصحيح هذه الأخطاء بشكل علني قاطع، علَّه يتعلم، فإذ به يتجاهل الأول ويقلب الثاني ليقرر به خلاف الأول؛ أي تخطئة القرآن فيما لم يقع منه! ...

************
الخطأ الثالث:

قوله: [صدقاً نجد في القرآن أن مدار الشمس يكاد أن يأتي دائماً في سياق الحديث عن الليل والنهار (باستثناء آية الرعد: 2)]

موطن الخطأ: اعتباره أن كل ذكر لحركة للشمس في القرآن إنما هو حديث عن مدارها (حول الأرض كما توهم)، وهذا خطأ. ويضاف إلى ذلك توهم ارتباط أي حركة للشمس بالليل والنهار، لمجرد تواردهما أحيانا في عبارات متتابعة. وهذا لا يستدعي الدلالة التي أرادها، لافتراقهما الدلالي بحرف (الواو) كما في قوله تعالى "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى"(لقمان:29) فأين هي الدلالة التي تربط بين الليل والنهار من جهة وجريان الشمس والقمر من الجهة الأخرى .. فنستدل منها على علة طبيعية تشير إليها الآيات ؟!!! إن الآية تجمع عدداً من الظواهر التي لا يخطئ أحد في رؤيتها للدلالة على قدرة الله وحكمته في خلقه، لا أن هذه الظواهر علل لبعضها بعضا لمجرد اجتماعها في آية واحدة أو سياق واحد. فالتعليل بين الظواهر له آلياته ومؤشراته، وليس منها حرف العطف (و)، والذي هو خلافاً لذلك يفيد افتراق طرفي الجمع قبله وبعده، كما هو معلوم.

وعن قول الله تعالى " وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا "(يس:38) والذي ظن فيها أنها حركة الشمس اليومية، كما سيقر بذلك لاحقا، فالصواب أنها حركة عبر مسارها حول المجرة وأن المستقرات مواضع على هذا المسار، وهو ما دللنا عليه في دراسة "مستقر الشمس وسجودها، رجحان التفسير"، وحددنا فيها عدداً من المستقرات القريبة زمنيا من عصرنا.

الصواب
قوله (أن مدار الشمس يكاد أن يأتي دائماً في سياق الحديث عن الليل والنهار (باستثناء آية (الرعد:2) فصوابه أن عدد آيات حركة الشمس 8 آيات، منها الآيات (ابراهيم:33)، (الرحمن:5)، بخلاف آية (الرعد:2) لم يرافقها شيء عن الليل والنهار. فإذا أضفنا (يس:38) يصبح ترافق آيات حركة الشمس مع آيات والنهار 50% فقط، وليست (كل الآيات باستثناء واحدة) كما قال الكافر. هذا بخلاف أن محض الترافق لا يبرر أن حركة الشمس حركة يومية وأنها على علاقة بالليل والنهار كما أظهرناه أعلى بوضوح كامل. وعلى هذا يسقط استدلال الكافر سقوطا مروعا، ويظهر تدليسه. ويتأكد لنا أنه بحاجة مُلحّة إلى دروس في علم الدلالة في العربية!! أو أن يكف نهائياً عن الكلام في اللغة العربية، ناهيك عن نصيحته بعدم العبث بآيات القرآن حتى لا يتعرض لمزيد من الإحراج.

************
الخطأ الرابع:

قوله: (دائماً ما يرد ذكره (أي مدار الشمس) مع مدار القمر، والتي يدور بالفعل حول الأرض، ويظهر للبسطاء من الناس وكأنه يعبر السماء كل ليلة بحسب ما تبصره عيونهم.)

موطن الخطأ:
الحديث التمويهي عن مدار الشمس، وليس الشمس وعموم حركتها، لأن اقتران الشمس بالقمر كثير بالفعل في القرآن، غير أنه غير شامل. وجر ذلك إلى أنه حديث عن مدار الشمس وأنه مرافق لمدار القمر (حول الأرض) ليس إلا تلفيقاً وتحريفاً لدلالة الآيات وتَقوُّل عليها.

الصواب: 
يُسمَّى الشمس والقمر بالنيرين، لأنهما أعظم الأجرام المنيرة بلا جدال، فكان ظهورهما في السماء وانتظام حياة المخلوقات بسببهما أمر لا ينكره أو يستنكره أو يتفاجأ به إلا جاهل. ولو كان القمر والشمس ساكنين، لما تحققت آليات هذا الانتظام، ولا دامت الحياة. لذلك كان ذكرهما مقترنين مبرر كل التبرير، ودون أي دلالة على ضرورة مستبطنة لوحدة مدارهما حول الأرض ذاتها. وهذا هو الافتراض الاعتباطي التلفيقي ad hoc hypothesis الحقيقي الذي وقع فيه الكافر هنا، وسيقع فيه مرات أخرى كما سنرى.

************
الخطأ الخامس:



يقول الكافر: [}وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40){(يس) في هذا المقطع يتحدث القرآن عن الليل والنهار.]

وبعد أسطر يقول: [وأيَّاً كان التأويل المقصود، فإن حركة الشمس رغم ذلك مذكورة مباشرة بعد وصف الليل والنهار، مثلما أن الآية التالية تذكر المنازل المختلفة التي يقع فيها القمر كل ليلة. فالمقطع بكامله يتكلم عن الليل والنهار وحركة الشمس والقمر في هذا السياق.]



موطن الخطأ:

يقصد بالمقطع: مجموع الآيات (يس:37-40)، ويصرح بجلاء أن كل هذا المقطع يتكلم عن الليل والنهار، وهذا خطأ فاضح. لأن الآية (37) و شطرالآية (40)  فقط تتكلمان عن الليل والنهار..



الصواب وكشف التدليس:

تتكلم الآية (37) عن الليل والنهار، والآية (38) عن جريان الشمس إلى مستقرها، والآية (39) عن تقدير القمر في منازله ووصوله إلى هيئته الآخيرة، والآية (40) في شطرها الأول تنفي عدم التقاء الشمس بالقمر كلٌ في مسيره، وفي شطرها الثاني تنفي أن يكون الليل سابق النهار مثلما أن النهار غير سابق للَّيل كما اعتقد العرب، وهو ما يعني بوضوح أن الليل والنهار متلازمان دوما.

أما التدليس والتلبيس، فهو إيهام القارئ أن كل المقطع يتكلم عن الليل والنهار، ومن ثم يكون جريان الشمس مرتبط مباشرة بظاهرة الليل والنهار (أي: المسبب لها في نظره – بحسب ثقافة القرن السابع الميلادي، ومن ثم مؤلف القرآن – كما أراد الكافر إيهام قرائه).

************

الخطأ السادس:  

يقول الكافر: [ ... وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ... ويوجد أيضاً حديث صحيح (صحيح مسلم 1: 297) يتكلم عن دورة الشمس الدورية في كل يوم ]

موطن الخطأ:
لا يوجد في الحديث أي ذكر يستدل منه بالضرورة على أن حدث الذهاب إلى المستقر منه يقع على نحو دوري كل يوم كما قال الكافر.

الصواب:
يقول الحديث – على الرابط الذي أشار إليه الكافر – (عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمًا ‏"‏ أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ ‏"‏ ‏.‏ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ‏.‏ قَالَ ‏"‏ إِنَّ هَذِهِ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً وَلاَ تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْتَفِعِي ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ثُمَّ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً وَلاَ تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْتَفِعِي ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ثُمَّ تَجْرِي لاَ يَسْتَنْكِرُ النَّاسُ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا ذَاكَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقَالُ لَهَا ارْتَفِعِي أَصْبِحِي طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِكِ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا ‏"‏ ‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أَتَدْرُونَ مَتَى ذَاكُمْ ذَاكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ‏").

وسبق لنا قبل عدة سنوات دراسة هذا الحديث في إطار جريان الشمس إلى مستقرها وسجودها وعودتها، ووصلنا إلى نتيجة راجحة وهي أن هذا الحدث لا علاقة له باليوم الأرضي. وهنا يجد القارئ هذه الدراسة بتفصيلاتها. والحاصل أن طلوع الشمس من مطلعها بعد عودتها من المستقر (والتي معناها بعد مرورها بالمستقر) والذي سيظل رتيباً حتى يختل في نهاية الأمر إنما هو لمن هي طالعة عليهم. أما من كانوا في نهار وقت وقوع الاختلال، فهولاء سيرونها تقف في السماء برهة ثم ينعكس اتجاهها فتغرب من حيث طلعت، ثم تطلع على من تطلع عليه بعد ليلته من المغرب.


وإذا كان هذا الحديث قد أشكل على الناس (مسلمين وغير مسلمين) فلا غرابة في ذلك وقد أشكلت عليهم جميعاً – وما زالت - ظواهر كونية عديدة. والآيات القرآنية الطبيعية مثل الظواهر الكونية، تنفك عراها في آجال قدرها الله تعالى لها، .. ولا وصاية لأحد (من مسلمين ورثوا الكتاب وظنوا أنهم ورثوا معانيه أيضا، ناهيك عن غيرهم) على تمام انكشاف أو متى تنكشف معاني آيات الله المتلوة في صفحات كتابه الكريم، أو المنظورة في فسحة الكون الرحيب. أما أن يتلاعب الكافر بإشكال المعاني القرآنية المكنونة لآجالها، فمثله مثل الشكاك في وجود الكون، ويتلاعبون بإشكالات فهم ظواهره الطبيعية على لا عقلانيتها، ومن ثم لا عقلانية الوجود برُمَّته. ويجمعهم جميعاً حزبٌ واحد (حزب الشك لأجل الشك). 

************

الخطأ السابع:

قال الكافر (عن حديث جريان الشمس للمستقر وسجودها): [وأن الشمس في كل ليلة تسجد وتسأل السماح لها بالذهاب والطلوع].

موطن الخطأ:
إفتراء الكافر كلمات من عند نفسه لم ترد في نص الحديث، في قوله: [الشمس في كل ليلة تسجد].

الصواب:
كلما تصل الشمس (وهي حاملة الأرض والكواكب على متنها) إلى مستقرها – الذي هو مواضع بعينها على مسارها عبر المجرة – أي الذي تسعى للاستقرار فيه كما يسعى الحجر الجاري على الأرض إلى المواضع الواطئة -  يصيب الشمس حالة من التفلطح والتمدد لوقوعها في بؤرة جذب شديد من جميع جهاتها، وهذه هي الحالة الشبيهة بسجود المؤمنين لربهم. وتجاوز الشمس هذا الموضع وتعود لطبيعتها .. ويتكرر مرورها بمواضع عديدة من هذا النوع، .. حتى يأتي عليها من أحد المواضع ما يؤثر عليها إلى الدرجة التي يختل نظامها ولا تعود بعده إلى حالتها الأولى. ويختل تركيب النظام الشمسي برُمته، وبما يؤثر على الأرض ذاتها فتدور حول نفسها أمام الشمس عكس اتجاه دورانها الراهن، فتظهر الشمس لأهل الأرض متجهة من الغرب إلى الشرق، فإذا طلعت بعد ليل طلعت من مغربها.

ونسأل، ما علاقة هذا الحدث – والذي وصلنا إلى أنه يقع كل بضعة مئات من السنين أو أقل، بليل الأرض الراهن؟! .. أللهم لا علاقة، ويُعد تذرع الكافر بما قرأ من تفاسير قديمة لثقافات قديمة لا قيمة له، إذا وجد فيه ثغره، فيتوهم أن ينال بها من القرآن شيئا.


************

الخطأ الثامن:

يقول الكافر (عن حديث جريان الشمس للمستقر وسجودها): [حتى يأتي يوم يسأل الله الشمس أن تطلع "من موضع غروبك"].

التحليل والصواب:

هنا خطآن في الحقيقة: الأول تحريف الترجمة، فليس في الأصل العربي أي نص يمكن ترجمته أو شرحه إلى (يسأل الله الشمس أن تفعل شيئا) .. بل جاء في نص الحديث: (فَيُقَالُ لَهَا ارْتَفِعِي أَصْبِحِي طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِكِ). ويُعد عدم التقيد الصارم بالنصوص عادة غربية أدت إلى تحريفات متتابعة لدينهم. والآن يمارسونها على ديننا، وما أشنعها من عادة.


أما الخطأ الثاني فكان يمكن أن يكون مؤشر على خطأ الترجمة، لو أن المترجم يمتلك الحس التوقيري للخالق، وهو أن الله تعالى لا يسأل مخلوقاً مُسيَّراً من مخلوقاته، بل يأمره أمرا، وليس للمخلوق إلا أن يطيع.



************

الخطأ التاسع:

قال الكافر: [يسعى بعض (المسلمين) إلى التوهين من التفسير السابق في وصف القرآن لحركة الشمس في مدارها (يقصد حول الأرض) واللجوء إلى أن الشمس تدور حول الثقب الأسود في مركز مجرة درب التبانة، مرة كل 225 مليون سنة. وهذا التفسير الأخير ليس إلا فرضية اعتباطية ترقيعية، ولا علاقة بينها وبين الأبعاد المستوعبة إنسانياً،].

التحليل والصواب:

1- تفسير جريان الشمس بين تنقلها المرئي للعين في ثقافة العرب القديمة السطحية، وتنقلها الرصدي الحديث حول المجرة أطروحتان تتفاضلان بالأدلة لا بالتحكم ولا الوصاية ولا الهوى. فالتفسير الأول أثار الكثير من الإشكالات على مدار تاريخ التفسير خاصة وأنه تفسير بتعارض مع آية صريحة حول وصف الشمس بأنها تدور في فلك، والفلك مستدير (وهو ما ذكره الكافر بنفسه وكان يكفيه للوقوف على إن التفسير متعارض مع القرآن)، وهو ما يخالف ذهاب الشمس وعودتها في كل ليلة في مسار لا يمكن أن يكون مستديرا أبدا. ثم أن العرب كانوا يعلمون بكروية الأرض واستمرار طلوع الشمس على جهة منها على الدوام، مما يجعل التفسير الأول مشكل عندهم دون حل يعلمونه قبل الاكتشاف الرصدي الحديث بجريان الشمس حول المجرة.

فلما جاءت معرفة طبيعية جديدة تكشف عن تفسير أصدق مما أثاره التفسير الأول من إشكالات، وجدنا من يعاند ذلك (نقصد الكافر) لأنه سيهدم ثغرة تَرَصَّدها وتَعمَّد النيل من خلالها من الإسلام، حتى ولو خالف المنهج العلمي التي يدعي أنه يتبعه، والذي فيه يتم المفاضلة بين النظريات، ونبذ الأكثر إشكالات وقبول الخالي منها. .. أي أن الكافر تمنى وسعى إلى تقوية التفسير القديم (الذي استشكله المفسرون أنفسهم) وطعن في قبول التفسير الجديد بحجج شديدة الوهن، وسنرى بعد قليل كيف أن حججه وصمة عار علمي عليه.

2- ذكر الكافر للثقب الأسود وأنه مركز للدوران حول المجرة عند من قال بهذا التفسير، وهذا لا عبرة به مع مبدأ دوران كل أجرام المجرة بتمامها، فليس الثقب الأسود هو المعني في وجوده أو عدم وجوده، فالعبرة بحركة الشمس بالطواف الكامل حول المجرة سواء وجد في قلبها أو لم يوجد ثقب أسود.

3- قول الكافر عن تفسير جريان الشمس إلى مستقرها أنه: (ليس إلا فرضية اعتباطية ترقيعية) قول فاسد، لأن هذا التفسير أطروحة متكاملة بنفسها ومستقلة تماما ومنفصلة عن التفسير الأول. ويرجع ظنه ووهمه أنها ترقيعية لأنه قد ملأ عقله بوجوب مطابقة معاني القرآن لما كان شائعاً في القرن السابع الميلادي، وفي ظرف كهذا يصبح حديث (واحد من العرب – كما يعتقد الكافر) عن جريان الشمس حول المجرة، تلفيق ممن يقول به من المسلمين المعاصرين. أي أن الكافر وضع العربة أمام الحصان. فبدلاً من أن يسترشد بالدليل (جريان الشمس حول المجرة ومطابقته لمقصد القرآن) على أن القرآن ليس ثقافة بدوية، راح يسترشد بأن (القرآن البدوي)  على أنه (لا يمكن أن يستقيم مع تفيسر مقحم عليه بمعلومات جاءت بها الأرصاد الفلكية بدوران الشمس حول المجرة). ومن ثم قدّر أن التفسير تلفيقي اختلاقي. .. أي أن الكافر يُحكِّم عقيدته الكفرية فيما يقبل أو لا يقبل من أدلة. وهذا منهج غير موضوعي رغم ادعائه بالموضوعية، بل لا يخطئ منصف على أنه متحيز. ولو فعل ذلك بين النظريات العلمية المجردة لعاب عليه أقرانه هذا المسلك. فكيف يدعي العلمية في نقده لآيات القرآن وما يرتبط بها من حديث نبوي بهكذا منهج؟!

4- في قول الكافر: [لا علاقة بينها (فرضية التفسير المجري لجريان الشمس) وبين الأبعاد المستوعبة إنسانياً] غرابة شديدة. فهو – مرة أخرى – يُحكِّم الأبعاد المستوعبة إنسانياً زمن نزول القرآن في قبول أو رفض تفسير القرآن. أي أنه يقيد معانى القرآن بثقافة الناس وقت نزوله، أي أنه يستدل على فساد نسبة القرآن إلى الإله بقيد وضعه هو نفسه على وجوب مطابقة القرآن لاستيعاب الناس وقتها. هذا في وقت يعلم علماً يقينيا – باعتباره باحثا دارسا في الإسلام - أن القرآن نزل للناس جميعا ولِكل ما تبقى لوجودهم من زمنِ على الأرض، وبما يشمل المعاصرين ومن بعدهم، فكيف يستدل بنتيجة يسعى إليها على صواب النتيجة ذاتها، أي منهج فاسد هذا؟! .. حتى المناطقة الأرسطيين قد رفضوه وسموه الدور. أي أن صاحبه يدور حول نفسه بحجته، فيستدل بها على صوابها؟! ... بئس المنهج، وبائس من اتبعه ومن صدَّقه.

ثم ماذا؟ ... كأنه لم يقرأ في الحديث الذي أورده ليحتج به، أن مستقر الشمس هذا الذي تجري له الشمس (أي تسعى إليه) يقع تحت العرش. وهل تحت العرش أمر مستوعب لدى عرب البادية؟! .. لا ... إنه يعني فوق ما يتصورون من أبعاد. وهم يتصورون بُعد الشمس أمامهم إذا كان جريانها واقع فيه. أي أن الحديث دلهم على ما وراء ما يتصورونه من أبعاد، فيعلمون أنه وراء ما يعلمون، أوليس هذا مثل قوله الله تعالى "وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)"(لقمان)، فيعلم المؤمن المدى الذي تصل إليه كلمات الله من ثَمَثُّل أشجار الأرض وبحارها جميعاً أقلاما ومداداً، والذي أخذهم إلى آخر استيعابهم، وأخبرهم أن المُخبر عنه أبعد مما تصوروا؟!  ... الحمدل لله على نعمة القرآن.

ثم ماذا أيضاً، إن محك الإيمان في القرآن هو الإيمان بالغيب وفي آياته لأولى بعد فاتحة الكتاب " الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ..."(البقرة: 1-3)، وليس الغيب فقط هو القيامة وأحداثها، بل هو كل ما غاب عن الإنسان وأخبرهم به القرآن. فالعبرة بصدق المُخْبِر. فما أخبر به، مُسْتَوْعَباً كان أو غير مستوعب، يصبح واجب الإيمان. ولو كان تفسير القرآن يصح فقط لما كان مُسْتَوْعَباً لسقطت معاني القرآن تباعاً فيما ذكره عن الدنيا والآخرة ولم يبق منه إلا ما يعرفه البدو؛ ولن يكون هناك إسراء ومعراج، لأنه غير مستوعب، ولن يكون هناك شق للبحر بعصا موسى ووقوف الماء .. ولن ولن. ... والحجة عند الكافر العلمي بالقرآن أنها أمور غير مستوعبة، ومن ثم فهي ساقطة المعنى. !!! ...

هذا في وقت يُبقي فيه الكافرون اللامستوعبات في علومهم الحديثة إلى أن يُقَدِّر (إله العلم عندهم أمراً)، وذلك من مثل معاني الزمن بين الراصديين القصوريين في النسبية الخاصة، واللامتعينات والدالة الموجية الحائرة بين الجسيمية والموجية، والتشابك في ميكانيكا الكم، و. ووو إلخ. ولو حذفوا اللامستوعبات في علومهم كما يفعلون مع القرآن، لأسقطوا شطرها. ولو فعلوا معها كما يفعلون مع القرآن لأسقطوا كامل علومهم بحجة لا مستوعباته. وفي كلٍّ مخطئون.

ماذا نقول: .. لا نقول إلا الحمد لله الذي يكشف لنا تلاعب الكافرين وإفكهم وادعائهم منهج لا منهج فيه.



************

الخطأ العاشر:

قال الكافر: [لا يوجد في النص القرآني ما يتضمن دوران الشمس حول أي شيء آخر غير الأرض. وإذا كان مؤلف القرآن يمتلك أي معرفة عن دوران الشمس حول ثقب أسود، لكان في وسعه أن يذكر ذلك صراحة، أو يميز بين ذلك الفلك للشمس وفلك القمر، ومن الواضح جداً (يقصد في طول القرآن وعرضه) أنه لم يفعل، (يقصد: مما يدل على خلاف ذلك)].

التحليل والصواب:

1- قوله [لا يوجد في النص القرآني ما يتضمن دوران الشمس حول أي شيء آخر غير الأرض] غرضه أن يثبت على القرآن أن حكايته عن حركة الشمس لا تخرج عن فهم العرب البدو من تنقلها بين مطلعها ومغربها. ويستدل على ذلك بأن القرآن لم يشر أو يتضمن حركة تجاوز هذا المعنى. وسبق أن ذكرنا أنه لا يوجد في القرآن نص صريح بأن الأرض هي مركز الكون، ولا أن الشمس تجري حولها. أي أن القرآن يخلو من أي تعارض صريح في هذا الشأن مع العلم الحديث المحقق والثابت. فإن أراد الكافر مزيد من الأدلة، حتى يُبرئ القرآن من معتقدات القرون الوسطى، ويرى أنه لن يبرأ تماماً إلا إذا أتى بجريان صريح للشمس حول المجرة، فهذا يعنى عدم اعترافه بخلو القرآن من الخطأ قبل طلبه تنبؤ القرآن بالغيب العلمي. وعدم الاعتراف بنصف الطريق يدين الكافر، ويُظهر عدم جديته في إنصاف القرآن حتى في حالة عدم إتيانه بجديد فوق البراءة من الخطأ. ومع ذلك فسوف نجيبه رغم قناعتنا التامة بعدم إنصافه، وذلك من جهتين:

الجهة الأولى: قال العرب قديماً في تدوينهم للغتهم، أن اختلاف المبنى دليل على اختلاف المعنى، وإذا كان الكلام كلام الله تعالى، وباعتباره أحكم المتكلمين، فلا بد حتماً أن هذا محقق في كلامه سبحانه. فإذا طالعنا كلام الله تعالى عن الشمس، لوجدنا أن القرآن تكلم عن حركة الشمس بفعلين مختلفين، هما: (تَسْبَح) و(تجري). واختلافهما يقتضي اختلاف المعنى. ولو حققنا لوجدنا أن الفعل الذي دل حقيقة على الدوران هو تَسْبَح، وذلك في قوله الله تعالى "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(33)"(الأنبياء). وبناءاً عليه يختص الفعل (تَسْبَح) بدوران الشمس في فلكها. ويلزم عن اختلاف الفعل الثاني (تجري) في مبناه عن الفعل (تسبح) أنه يشير إلى حركة غير دوران الشمس في فلكها. وفي ذلك دليل على حركتين للشمس في القرآن. أي أن القرآن يتكلم على أكثر مما تراه العين المجردة عن حركة الشمس الظاهرية بكل تأكيد، حتى لو لم نستبعدها.

الجهة الثانية: أن تنكير لفظ (فلك) في قوله تعالى " ... وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ " يدل على اختلاف فلك الشمس عن فلك القمر، ولو كان الفلك فلكاً واحداً وهو ما يراه النس - بحسب زعم الكافر - وليس هناك غيره، لجاء بالتعريف، أي (كلٌّ في الفلك يسبحون)، وفي هذا دليل على اختلاف فلك الشمس عن فلك القمر. وهذه النتيجة وحدها تنفي خطأ آخر سيذكره الكافر بعد قليل، وذلك في كلمة (تلاها) في قوله تعالى (والقمر إذا تلاها).

والخلاصة أن فلك الشمس غير فلك القمر، وأن للشمس حركة أخرى غير الفلكية المستديرة البسيطة التي وصف القرآن الحركة فيها بالسباحة. وهذه الحركة الأخرى جريانية إلى مستقر تسعى إليه ثم تتجاوزه ثم تسعى إلى مثله – من تنكير كلمة مستقر- ثم تتجاوزه .. وهكذا.

وليلاحظ القارئ أننا استنبطنا كل هذا من محض لغة القرآن (دون الاستعانة بنتائج الأرصاد الفلكية والتي أمرنا الله أن نفعله لأنه يطابق كلامه)، وأن هذا التعقيد في حركة الشمس يتجاوز بالتأكيد الفهم البسيط الناتج عن النظر إلى الشمس بين مطلعها ومغربها .. فهل أجبنا الكافر وأظهرنا له تهافته في تفنيدات ما يكره وروده في القرآن؟!

2- حول قول الكافر: [وإذا كان مؤلف القرآن يمتلك أي معرفة عن دوران الشمس حول ثقب أسود، لكان في وسعه أن يذكر ذلك صراحة، أو يميز بين ذلك الفلك للشمس وفلك القمر، ومن الواضح جداً أنه لم يفعل] نراه يتوهم أنه أقام حجة على أن مؤلف القرآن لا يعرف شيئاً عن دوران الشمس حول المجرة، ولا يميز بين فلك للشمس وفلك القمر، وأن النتيجة اللازمة عن ذلك أن القرآن بشري التأليف، وأن المستوى الثقافي لمؤلفه مقيد بالقرن السابع الميلادي.

وقد سبق أن بينّا أنه من مقتضيات الغرض التعليمي ألا يتفاجأ المتعلم عنوة وصدمة بخلاف ثقافة دارجة عامة، خاصة إذا كانت لا تمس صلب العقيدة الدينية. وجئنا بقولين من أقوال الصحابة الذين فهموا رسالة الإسلام وآدابها التعليمية عن جدارة، ونعيدهما هنا للتذكرة، قال عليّ رضي الله تعالى عنه: : (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ –  بما يعرفون أي: بما يمكن أن يعرفوه ، وتبلغه عقولهم)، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).

ونجيئ الآن بآيات قرآنية صريحة ومنها ما كان صريحاً وقت نزول القرآن وله امتداد في نفس هذا السياق حتى يومنا هذا، وبما يكشف عن الآلية التعليمية في القرآن وخطتها التثقيفية عبر الزمان.

قال تعالى عن جلي المعنى وخفيه من آيات القرآن: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ..."، أي أن القرآن يميز صراحة بين ثقافة المتلقين الأوائل للقرآن في أنهم سيفهمون المحكم منه، والذي هو أم الكتاب، أو ما وصفناه أعلى بأنه صلب العقيدة وجوهرها. أما المتشابه من القرآن، والذي أكد القرآن وجوده، فهو ما لن يفهموا دلالته في إطار ثقافتهم، وعليهم الإيمان به، وأن يقتدوا في ذلك – كما جاء في نفس الآية بمن قال تعالى في شأنهم - (والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا).

أما المتشابهات فهي التي جاء في شأنها عدد من الآيات:

منها قوله تعالى "فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)"(القيامة) وتعني بوضوح أن بيان معاني آيات القرآن تتجاوز محض قراءة الآيات، وإلا لما احتاجت إلى تبيين بعد سماعها، وأن مسئولة بيان هذه المعاني تعود إلى الله وحده، والبادي لنا أنها باستصحاب أسباب أخرى تكشف المعاني فتتفتق لها الأفهام، ومنها ما أعلم الله تعالى نبيه بها فأعلم الناس، ومنها ما بقى متشابها، وسينكشف معناها بقدر حاجة الزمان إليها ، ومن ذلك ما نحن بصدده.

وقوله تعالى "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)"(فصلت) والآية بينة بنفسها، وكأنها تخاطب الكافر الذي نرد عليه.

أما الآية التي تذكر كيف أن الحق يسوء سامعه أحيانا، إلَّا إذا جاء أوانه فإنه ينجلي للناس ويدمغ الباطل، ويحق الحق، وتظهر به آيات الله الباهرات، وكأنها وحي جديد، فقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ .."(المائدة:101) ويمكن فهم امتداد هذه الآية في زمننا – إذا أرفقناها بقول الله تعالى "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)"(الإسراء) – وكأن الآيات السابقات جميعاً تقول:
(يا أيها الذين آمنوا لا تتصدروا لمعاني متشابه القرآن فيسؤكم معناها، وإن تفعلوا ذلك حين يُكشف عن علمها، تُبد لكم).

ومن هذه الآيات ما نحن بصدده من حركة الشمس. ولو بين لهم النبي صلى الله عليهم وسلم أن معناها أن الشمس التي تطلع عليهم وتنساح في السماء بعرضها، وتغرب .. لو قال لهم أن معتقدهم هذا وهم، وأنها ساكنة عن انسياحها في السماء، وان جريانها الحقيق غير ذلك وأنها تطوف في زمن قدره 220 ألف ألف من السنين حتى تعود لما كانت عليه .. و و  لساءهم ما يسمعون منه بالتأكيد، ولربما افتتن بعضهم وأنكر نبوته ورسالته، وإحقاق الحق وإبطال الباطل، والوحدانية التي جاء الإسلام بها.

لهذا كان من العلم أن يعلم العالم كيف يُعَلِّم الناس ليعلموا الحق، لا ليهربوا منه رغم أنه حق. ومن يدعو لغير ذلك، كالكافر الذي نرد عليه، فلا ريب أنه يحتاج إلى أعادة تعليم.



************

الخطأ الحادي عشر:

يقول الكافر: ["أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)" (الشمس)
  
على القارئ أن يلاحظ (يقصد في هذه الآية) أن مؤلف القرآن توقع أن جريان/طوفان الشمس شيء قد رآه الناس (وهو ما يمثل إشكالية أخرى أمام التأويل المجري (يقصد حول المجرة) لفلك الشمس)]

التحليل والصواب:

تَوهَّم الكافر أن الرؤية في (أَلَمْ تَرَ) تعم كل ما بعدها، ولم يلحظ أمرين:

الأول: أن المرادات بالرؤية معطوفة على بعضها بحرف الواو، فإن كانت جملة فعلية اكتفت بالواو (مثل ويولج)، وإن كانت جملة إسمية تطلبت أن بعد الواو (مثل وأن الله بما تعملون خبير). والآن، فيما يخص جملة الأجل التي أراد الكافر شمولها بالرؤية حتى تثبت له حجة، جاءت هكذا (كل يجري إلى أجل مسمى) بدون (وأن) لأنها جملة إسمية. فدل ذلك على أنها غير معطوفة على المرئيات كجملة منفصلة.

الثاني: أن الأجل لو كان مرئياً لجاء معرفة وليس نكرة كما هو حاصل، ولأخذت الآية الصورة (كل يجري إلى الأجل المُسمّى)، ولكنها جاءت نكرة، مما يدل على أنه غير معروفة عند المخاطَبين، فكيف تكون مرئية وغير معروفة؟! والحق أنهم يعرفون بالتأكيد أطوال الأزمان من يوم وشهر وسنة. فدل تنكير عموم الأجل على أن بعض المخبر عنه على الأقل غير معلوم عندهم، وما ذلك إلا الشمس.

والحاصل أن جملة (كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) جملة اعتراضية ليست مشمولة في المتعددات بالرؤية. وتمنى الكافر أن تكون كذلك، فتوهمه، وحاول الاحتجاج به. ولكن علمه بالعربية لم يسعفه، فوقع في هذه الأخطاء التي كشفت زيغه.



************

الخطأ الثاني عشر:

يقول الكافر: ["وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)"(الشمس). الكلمة العربية (يقصد "تَلَاهَا") والتي تُترجم إلى follow تُعرَّف بالأساس بمعنى يتبع، أو يذهب أو يمشي خلف، ويتبع (غيره) على سبيل التقليد، أو الفعل .. إلخ. وغالباً ما كانت تُستخدم في وصف الحيوانات كالبعير التي تتبع بعضها بعضا. ولكن القمر لا يتبع حركة الشمس، ولا أن ضوءها متوقد ذاتياً كضوء الشمس. والانطباع الأغلب على هذه الآية أنها تكشف عن رؤية للكون يكون فيه القمر والشمس متبعان نفس المسار واحداً وراء الآخر، وهو ما يمكن أن يكون تصور شخص عاش في القرن السابع الميلادي إذا تطلَّع إلى السماء.]

التحليل والصواب:

يشيع في التفاسير القديمة أن (تلاها) تعني أن يتلو القمر الشمس في إضاءة السماء. أي بمعنى "جاء بعده في آداء مهمة الإنارة". فالشمس سيدة النهار، والقمر سيد الليل. فمن أين جاء الكافر بأن يقتفي القمر أثر الشمس، ويسير خلفها كما يسير البعير وراء البعير قطارا؟! .. وإذا كان كلامه صحيحاً، لكان العرب قد ذكروه غي تفسيراتهم على القرآن – وهم أعلم من عوام المعاصرين بالسماء وأحوالها لأنها قضوا نصف أعمارهم يتأملونها ويترسمون رحلاتهم في الصحراء على إثرها - ولأن الأمر ليس كذلك، لم يدونوه. والذي يقول بمثل قوله أبعد الناس صواباً عن وصف حركة القمر والشمس، لأن مسار الشمس يختلف تماماً عن مسار القمر، وخاصة في حدوث انقلابيها في الصيف والشتاء. كما أن سرعة أحدهما اليومية تختلف عن الآخر، فأين التتالي المساري الذي يزعمه هذا الكافر؟!


************

الخطأ الثالث عشر:

قال الكافر: [وهناك اختيار آخر لمعنى "تلاها" أقل ارتياباً، إذا افترضنا مزيد من العصمة للقرآن، وفيه أن الشمس والقمر يظهران واحداً وراء الآخر. وسوف يحدث في يوم ما، وبدلاً من أن يتبع القمر الشمس، سيحدث أن يجتمع به طبقاً لآية أخرى (أنظر موضوع: أحجام ومسافات مختلفة للشمس والقمر). [يقصد باجتماع القمر والشمس الآية "وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ(9)"(القيامة)].

التحليل والصواب:

يشعر الكافر القارئ بقوله: [هناك اختيار آخر لمعنى "تلاها" أقل ارتياباً، إذا افترضنا مزيد من العصمة للقرآن] أنه منصف وأنه يبتغي عصمة القرآن بقدر ما يستطيع، وما هو إلا ذر للرماد بالعيون بعد كل الطعون الجوفاء التي صَدَّرَها حتى الآن. وإذا تفحصنا ما الذي سيتحفنا به، فسوف نجده خطأً أيضاً، يقول: [بدلاً من أن يتبع القمر الشمس، سيحدث أن يجتمع به] ويقصد بذلك أن تفسير "والقمر إذا تلاها" هو هو تفسير "وجُمع الشمس والقمر"، وما أغربه من خلط تفسيري. فالأول في الدنيا ويحدث على نحو يومي رتيب، والثاني في الآخرة في ثنايا تهدم الكون وقيام الساعة! .. فأين هذا من ذاك، وأين التتالي من الاجتماع؟! ... هل هو تتالي مع تقارب حتى الاجتماع مثلاَ، ومن أين جاء بهذه المعاني الخرقاء، أمن عند نفسه؟ .. إنه لا يفقه العربية إلا من خلال المعاجم الانجليزية، أم من عند غيره؟ .. ولو كان، لأورد له رابطا! .. ثم أين عصمة القرآن الذي تظاهر كذباً بالحرص عليه من هذا التفسير العجيب؟!.. إنه لا يختلف كثيراً عن الأول في التتابع المساري إذا كان ذلك مقدمة الاجتماع الذي يقصده.



************

الخطأ الرابع عشر:

قال الكافر: ["قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (البقرة: 258)
هنا يروي القرآن عدة أسطر من مناظرة وقعت بين إبراهيم وملك كافر، وفيها يجيب إبراهيم أن الله يأتي بالشمس من المشرق. ويدل الفعل العربي وحرف الجر (يأتي بـ) على أن الشمس تتحرك بالفعل. فالفعل يعني (يأتي)، وإذا أُرفق المأتي به بحرف الجر (بـ) فالمعنى أن يجلبه. وهو المعنى الذي جاء في القرآن مرارا. ورغم أن رواية المناظرة جاءت في كلمات إنسانية بسيطة، إلا أن مؤلف القرآن يعتقد بوضوح أنها إجابة شافية ولا يرى فيها أي إشكال.]

التحليل والصواب

توهم الكافر أن (يأت بـ) لا تعني إلا أن يجلب. ولنا في ذلك عليه إجابتين متتامتان:

الإجابة الأولى: أنه يعتمد على المعاني المعجمية في التفسير. ولو درس علوم القرآن، لعلم ما أصَّله المفسرون والعلماء من علم يُسمى (الوجوه والنظائر)، وهو أن اللفظ المجرد يأتي بعدة معاني تُسمى وجوها، مثلما تعني السماء "السحاب" في قوله تعالى "وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً "(الأنفال:11)، وتعني "السماء النجمية" في قوله تعالى "وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ"(الحجر:16). ويغلب أن تجتمع هذه الوجوه المتعددة للّفظ الواحد في قالب معنوى دلالي، إذا أُسقط في سياقات مختلفة انعكس له معاني متفاوتة. الصحيح أن الأسلوب (يأتى بالشمس من كذا) يعني (يُطلعها من كذا) .. ودليل ذلك قوله (يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ) وليس لهذا التعبير من معنى يزيد عن (يُطلعها من المشرق)، وتحدى إبراهيم عليه السلام الكافر في أن يفعل نفس الشيء ولكن من المغرب، فقال له (فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) أي أطلعها من المغرب.

الإجابة الثانية: إذا طبقنا قواعد الوجوه والنظائر على الفعل وحرف الجر (يأت بـ) وتحققنا من قول الكافر الذي زعم فيه قوله [إذا أُرفق المأتي به بحرف الجر (بـ) فالمعنى أن يجلبه. وهو المعنى الذي جاء في القرآن مرارا]. فسنجد الآتي في القرآن مما يخالف كلامه:

1- "... أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ .."(النحل:67) ... وتعني (أينما يوجهه لا يفعل خيرا).
2- " ... مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ .."(الأحزاب:30) .. وتعني (من تفعل ... ).

والآن: هل صدق الكافر في زعمه؟! .. هل لا بد حتماً أن يكون معنى (إن الله يأتي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ) أي يجلب جرمها من جهة المشرق جلباً والأرض ساكنة تحتها ؟! .. هذا الفهم ليس إلا تحكم ومصادرة من الكافر لفرض الخطأ التي يسعى إلى لصقه بالقرآن بكل ما أوتي من قوة! .. وما نجح لأن الباطل لا أصل له ليستقوي به.



************

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم استاذنا.
    عودة قوية بينتم فيها تدليس من يدعي الموضوعية بينما طعوناته كلها جوفاء بل و فهمه و استنتاجاته تثير الشفقة بل ما يثير الشفقة ظنه انه بذلك قد قضى على الدين. ما اجهله!
    وفقكم الله.

    ردحذف