الثلاثاء، 24 يونيو 2014

الفصل (ب5) – أبو الفداء بن مسعود - الجزء الثاني - كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه

كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه
الفصل (ب5) أبو الفداء بن مسعود - الجزء الثاني
بقلم: عزالدين كزابر
بسم الله الرحمن الرحيم

إبدأ بالجزء الأول هنا


(# 64) [متابعة الرد على مداخلة # 32]

قال أبو الفداء: 
أسألك بالله ما المصلحة أو الثمرة الشرعية التي تفوت على المسلمين إن لم يبحثوا في الكيفية التفصيلية التي خلق الله بها السماوات والأرض وركب أجزاءها في بعضها البعض (أي فيما عدا ما جاءهم به النص)؟ أنا أجد في القدر الذي ذكره -جل وعلا- في نصوص الوحي كفاية، وإلا فلو كان ينقصنا في تلك البابة الغيبية (وأكرر الغيبية، أي التي لا يصح أن يوصل إلى معرفتها بقياس الغائب منها على المشاهد من أمر الكون حالياشيء من التفصيل – كمسلمين عقلاء - لما سكت عنه النص! وأنت ترى أن قرون المسلمين لم يشرع منهم أحد في اتخاذ هذا النص ونحوه بمنزلة التكليف المباشر للبحث في كيفية خلق السماوات والأرض بالتفصيل الطبيعي والتنظير التجريبي، إلا في القرنين الأخيرين، فهل هلكت سائر القرون السابقة على ضلالة في تكليف رباني فاتهم بالكلية ولم يعقلوه من نصوص الوحي؟ هذا لعمر الله تنقُّص من الغاية التي من أجلها نزل الوحي أصلا، ألا وهي هداية الأولين والآخرين أجمعين! أنت تتساءل كيف أحاججك بتجهيل الأولين في مثل هذا، فاصبر وتأمل وتجرد، تفهم إن شاء الله وجه الحجاج بتجهيل الأولين. فأنا كنت وما زلت ألزمك بسبيل الأولين فيما أجمعوا عليه (وأكرر ما أجمعوا عليه، والشذوذ التام عن جميع ما قالوا به من أقوال في فهم النص = شذوذ عما أجمعوا عليه)، فـ من فارقه فقد دخل في قوله تعالى: ((وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً)) [النساء : 115]. هذا منهجي الذي لا أتنازل عنه طرفة عين، فإن لم نتفق عليه فلا أبالي أتفقنا أم اختلفنا فيما سواه من مثارات النزاع بيننا في هذا الشريط، والله المستعان.
أقول:
يظن الكثير من المؤمنين أنهم قد امتلكوا القرآن بحفظهم له، وأنه لما كان محدودا في عدد سوره وآياته وكلماته فلا بد وأنه قد انحصرت معانيه فيما علموه، وحفظوه، وأتقنوه منه. ولكن القرآن كلام الله، ولا يعلم أغوار معانيه إلا مُنزله. ولا يتعين من معانيه إلا ما كشفه الله تعالى منه. وما خبأه الله تعالى للزمان من كلامه لا يعلمه إلا هو سبحانه، لأنه القائل: "فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ" وغني عن البيان، أن بيانه لاحق لقرآنه، وأنه مع وجود (ثم) ما يفيد التراخي، وأنه موقوف بعلم الله وتقديره، وفي وقته المقدر وحينه. ثم أن القرآن نزل لتُعلم معانيه، وتستبين مراميه، وليكون عندها محكماً في بلاغه، لا ينغمض على الناس منه شيئاً من مراد الله تعالى منه، ولكن من آياته ما سيبقى متشابهاً ولو إلى حين بما يحقق حُكم الله وحكمته التي أظهرها في كتابه حين قال سبحانه "مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ". ولا يمكن الجمع بين تمام البيان، وبقاء المتشابهات إلا إذا كانت المتشابهات زائلات مع الزمان، فيزداد البيان حتى التمام من دنو الزمان من الإتمام. وفقط في هذه الحالة تلتقي المتباينات، وتنجلي الغامضات. وتتكشف المتشابهات، وتستكمل البينات. فإذا قال قائل أن ذلك قد مضى منذ نزوله، فقد خالف كلام الله بإقرار المتشابه، وليس له من حيلة إلى ذلك إلا بالمصادرة على معني المتشابه بغير مراد الله، بما قد يورّطه في التحريفات، وعظائم المنكرات.
وما نراه من الآيات على انتظار الظهور، فهو ما يحقق الآتي من قول الرسول، قال صلى الله عليه وسلم: [ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أعطى من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليه؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة]
وفي هذا الحديث، ما يُظهِر أن في القرآن آيات من مثل – أي من نوع - ما يُصدِّق به البشر اللاحقون. فتتحقق سنة الله في حديث نبيه، من إفحام المكذبين بمثل ما يُصدقون، يتحداهم القرآن به فلا يقدرون، فتقع حجة الله على المكذبين، وتنقطع بهم الأسباب، ويحق على المعاندين العقاب.
هكذا إذاً تزول الإشكالات، فيجتمع للقرآن تمام البيان في آخر الزمان واحتواء المتشابهات في عاجله وانكشاف المعاني على بساطه.
فهل عالج منهج أبو الفداء ما عالجناه على أبدع مما انتهجناه؟! .. للأسف لا. رغم الصدع والافتخار، والاحتجاج للصحابة ومدح الأخيار، بأمر ليس للناس فيه من شيئا من قرار، وليس لنا فيه من خيار أو اختيار. وإنما العلم عند الله، وما نحن إلا سائلي الله من علمه، وليس لنا إلا ما يأذن به الله، لأنه القائل سبحانه "وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ" .. فهل يُكذّب مُدَّعوا الكمال بما يأت من حق في كتاب الله، إذا جاء أجلٌ، هم له منكرون ؟! ... نخشى عليهم من ذلك، ونرفق بهم علهم يفهمون. 
(# 65) [متابعة الرد على مداخلة # 32]

قال أبو الفداء: 
تقول: [أنك تتكلم عن السلف وكأنهم أنبياء قد أوحى إليهم، وأنا أتكلم عنهم باعتبارهم النخبة من المسلمين – وإذا تعلق الأمر بالمسائل الكونية الطبيعية في القرآن، فمعارفهم مقيدة بإطار ثقافة عصرهم. وإن تفوقوا بالمعرفة اللغوية، فهذا حق، ولكنه لا يُمثل إلا بعض النصاب المعرفي الضروري لتعيين معاني الآيات الكونية. ولا يكتمل النصاب إلا بالوقوف على أسبابه ومباشرة شهاداته.]

إيش "لا يكتمل النصاب" و"الوقوف على أسبابه ومباشرة شهاداته" وهذه العبارات؟ بل ما معنى "المسائل الطبيعية في القرءان" ومتى كان القرءان كتاب طبيعة؟ يا أخي إن كنت قاصدا في هذا الجدال، فدع عنك الزخرف اللفظي وحدثني بمصطلح أهل العلم، بارك الله فيك، حتى لا يطول بنا الطريق في فك المبهمات وحل المجملات والمتشابهات! فقد أعييتني والله بطريقتك هذه، ولو رأيتني قد انقطعت عنك فاعلم أني قد ضاق وقتي وصدري وعيل صبري، والله المستعان! تقدم بيان الفرق بين القول بعصمة إجماع السلف والقول بعصمة آحادهم، فلا أكرر. وأقول – وانتبه - لا فرق عندي ولا عند إمام واحد من أئمة المسلمين في طرق معرفة (أو مصادر تلقي) مراد الله تعالى من كلامه بين نص جاء بخبر غيبي أو بخبر مما تسميه أنت "كوني" أو نحوه، وبين نص جاء بغير ذلك من مسائل الاعتقاد أو التكليف العملي أو الوعظ أو نحو ذلك، والبينة على من ادعى التفريق، وإلا فالشريعة لا تفرق بين المتساويات
أقول:
من حيث أن الآيات من الله، فهي متساويات، أما من حيث أنه بعضها قد استبان وبعضها لم يستبن، فهذه محكمات ومتشابهات أي مختلفات، ولا ينكر اختلافها إلا مكابر لمعاني نصوص الآيات، ومن حيث أن بعض القرآن عبادات، وبعضها معاملات، وغيرها من أنواع متمايزات فلا يملك بشرٌ لتعداد أنواعها منعاً، ولو ركب لذلك مركب العناد. وإذا لم ير الفروق اللطيفات، بل المتمايزات، فقد قصر عن أمارات العلم، من حيث أن العلم كما هو جمعٌ بين المتشابهات، فهو تفريقٌ بين المختلفات، ومن لم يرها فمعذورٌ أو متروكٌ، ويُنصح بالإنصات مع السامعين.
أما من يتعجب ويقول: حدثني بمصطلح أهل العلم، ويستغرب مما لم يحط به علماً، ويتندر بـقوله: "إيش "لا يكتمل النصاب" " و"الوقوف على أسبابه ومباشرة شهاداته" وهذه العبارات؟ " فكأنه لم يمر على underdetermination، و causality، و justification، و corrobooration، ونخشى أن نطيل، فتأخذه بنا مآخذ الظنون. وما ذنبنا إن لم يعرف الاصطلاح، رغم أنها اصطلاحات العلم وفلسفته، ومن زعم لأنه من أهله ولم يعرفها، فحرجه شديد. كما أن السائل يُعرّف إذا سأل، فإن تهكم، فقد زعم لنفسه بالكمال، وهو دونه بأميال. فإن اشتكى، وقال: [أعييتني، ضاق وقتي وصدري وعيل صبري ..] فقد اعترف بحدوده، ورفع راياتٍ بيض، يتباهى بجمالها ونصاعتها، وهي لغير ذلك من معان.
وإن قال: [تقدم بيان .. القول بعصمة إجماع السلف]، قلنا له لا نبني الدين إلا على يقين، .. فهذا ظنٌ وتمحّلٌ، .. وادعاء كمالٍ لعلم قائله، كان كل حظه جمع أقوال السلف، وقد استنصر بهم لما جمعه، لا يشهدون به لأنفسهم ويخجلون من إطرائه، وما أتى القرآن له بشاهدٍ ، ولا نطق النبي به في آثاره ، فمثله كمثل من ادعى لعيسى عليه السلام، مع الإله شراكة. يقول كبيرة، ويظن أنه لجميل الكرام حافظُ، ولهم معظّمُ. 
- وأما قوله: [ما معنى "المسائل الطبيعية في القرءان" ومتى كان القرءان كتاب طبيعة؟]
فيماثله قول القائل: (ما معنى "المسائل النحوية في القرآن"، فمتى كان القرآن كتاب نحوٍ؟!)
وقول القائل: (لا يقولن أحدٌ: المسائل "الأدبية أو البلاغية أو التاريخية أو ..  في القرآن"، فمتى كان القرآن كتاب في الأدب أو البلاغة أو التاريخ .. أو .؟!
ومثلما يُرد على الأخير بما يعلم الراسخون في العلم... يُرد على الأول!!!
وشتان بين من يقول مسائل كذا في القرآن، يريد صنفاً من المسائل، تتمايز في موضوعاتها عما سواها، ومن يدعي عليه بأنه يقول: "القرآن كتب يماثل كتب على البشر في علم كذا" وهو ما يؤول إليه قول القائل "القرآن كتاب طبيعة" أو "القرآن كتاب تاريخ" أو أو .. إلخ. فهذا تقوُّل مُغرض، وتشويه متعمد.
- ويقول:[ تقدم بيان الفرق بين القول بعصمة إجماع السلف والقول بعصمة آحادهم، فلا أكرر.]
وكأن التكرار يجعل من القول الضعيف قوياً، أو من البعيد قريبا. وكيف لبشرٍ أن يقول ما يلزم عنه مناقضة القرآن، ويظل يكرره، يظن بذلك أنه يعضده؟! ألم يقطع القرآن باحتوائه على المتشابهات، التي أفاد كلام الراسخين في العلم بحدود علمهم فيها، وقالوا: "آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا"، ويقصدون أننا إن اجتهدنا في معرفة معانيها، فلا ندري أصبنا أو لم نصب، ولا يسعنا إلا أننا آمنا به، كلُّ (كل من المحكم والمتشابه) من عند ربنا. ولو كان المتشابه أصبح كالمحكم في العلم به عندهم، ما قالوا هذا القول. .. أمّا من يقول: أن المتشابه يؤول إلى محكم برده إلى المحكم، فقوله لا مستند له، لأنه يؤول إلى زوال المتشابه، خلافاً لتقرير القرآن ببقائه ما بقيت الدنيا، حتى ولو تبقت آية واحدة منه متشابهة. أما من قطع الطريق على غياب شيء من مراد الله تعالى في كتابه، عما آل إليه من جماع علم السلف، فقد عارض هذا الأصل في القرآن، ليغلق باباً فتحه الله لتدبُّر آياته. .. ولو علم، لعلم أنه تحكُّم في معاني كتاب الله ودينه، ما أنزل الله به من سلطان! 
(# 66[متابعة الرد على مداخلة # 32]

قال أبو الفداء: 
أما قولك: [وأراك تُحمّل السلف فوق ما يحتملون عندما تقيد صحيح المعارف الكونية بما لم يكن عندهم موجب له. .......... لأن الله تعال أنزله للناس مهما علا شأن ثقافتهم وحتى قيام الساعة. .. ................الخ ....... الخ .. كيف نستشهد بالغائب الذي لم يسمع الشاهد، على الشاهد إذا حضر بنفسه؟]
فكلام خطابي لا طائل تحته. أي "معارف كونية صحيحة" هذه التي قيدتها أنا (بهذا الإجمال الأعمى والإطلاق المبهم) بما لم يكن عندهم "موجب له" (ولا أدري ما معنى "موجب له" هذه، لعلك تقصد: موجب لطلب تعلمه والسؤال عنه؟)! نحن نتكلم عن تأويل كلام الله في كتاب الله، لا عن علم الفلك أو الفيزياء! ثم أنت تعكس المسألة عندما تطالبنا "بالتجديد" في فهم القرءان بدعوى أن الله تعالى أنزله لجميع الثقافات! فالواجب على كل عاقل أن يشهد أولا بأن مراد الله من كلامه (في الخبر والتكليف على السواء) واحد ثابت لا يتغير بمرور الأزمان! فإن شهد بهذه المقدمة، وجب عليه أن يقرر أن الحق في مراد الله تعالى من كلامه يجب أن يكون ظاهرا لجميع المخاطبين في جميع العصور، وإلا قصر الكتاب عن الوفاء بمقصوده من هداية جميع المخاطبين به في كل زمان ومكان!
فإن ثبت أن البشر يتفاوتون في قدراتهم العقلية والفكرية (وهو حق معروف بالاستقراء المستفيض)، وجب أن يكون خطاب القرءان مناسبا لأدناهم عقلا وعلما (الأميين منهم) كما يناسب أعلاهم، وأن يكون المراد من الخطاب واصلا إليهم كما إلى المثقفين والعلماء والخاصة، كلهم يفهمونه حق الفهم، بمجرد أن يضبطوا لسانهم على لسان المخاطبين الأوائل، أو ينقل إليهم معناه بألسنتهم، وإلا قصر الكتاب عن الوفاء بمقصود إيصال الهداية لجميع المخاطبين بهفهل لديك اعتراض على شيء من هذه القواعد الكلية الضرورية؟ أرجو أن يكون الاعتراض مشفوعا بالدليل بعيدا عن الكلام الخطابي والتهويل، وإلا فلن ألتفت إليه
أقول:
قول الخصم عن كلام خصمه: (كلام خطابي لا طائل تحته.) و(إجمال أعمى) أو اتهام خصمه نفسه في الفقرة التي قبلها: (بعبارة: قاصدا في هذا الجدال)، لا يكشف إلا عن انقطاع الحيلة، ونفاذ الوسيلة.
- ويُرد على قوله: (نحن نتكلم عن تأويل كلام الله في كتاب الله، لا عن علم الفلك أو الفيزياء!) وكأن الله تعالى لم يتكلم عما أسمينا موضوعاته علم الفلك أو علم الفيزياء! .. فهل تصنيفنا للموضوعات بأسماءٍ، أشار الله تعالى إلى شيء من مسائلها، يحذفها من تصنيفنا، أو ينفي كلام الله عنها؟ .. إن هذا والله تحكم بالمصطلح الحادث، في القرآن، نفياً أو إثباتا، ولطالما نهى حكماء الإسلام عن هذا المنزلق الخطير، لمن وقع في حباله.
- وأما قوله: [أنت تعكس المسألة عندما تطالبنا "بالتجديد" في فهم القرءان بدعوى أن الله تعالى أنزله لجميع الثقافات! فالواجب على كل عاقل أن يشهد أولا بأن مراد الله من كلامه (في الخبر والتكليف على السواء) واحد ثابت لا يتغير بمرور الأزمان! فإن شهد بهذه المقدمة، وجب عليه أن يقرر أن الحق في مراد الله تعالى من كلامه يجب أن يكون ظاهرا لجميع المخاطبين في جميع العصور، وإلا قصر الكتاب عن الوفاء بمقصوده من هداية جميع المخاطبين به في كل زمان ومكان]
فأسأله: هل يطابق فهم المسلمون الأوائل في خبر قول الله تعالى " الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ" في معنى الحُسبان، كفهم عالم الميكانيكا السماوية في حسابات الأفلاك، من محاولات دؤوبة على مر ألفين من الأعوام وكيف قاربت الحسابات الوقائع، أللهم بفرق سنتيمترات، .. وكيف أن السبيل إلى ذلك قد ارتقى بعلم الحساب (الحوسبة) إلى أعلى مستويات الدقة، وتحقق مراد الله الذي أخبرنا أيضاً عنه في كتابه " لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ". هل تعلم أن حساب المثلثات عامة، والهندسة الكروية خاصة، قد طوره المسلمون ليحققوا تكليف الله لهم " وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ"، أما النساك العباد من الخَلَف، الذين اكتفوا بما عند السلف من فهم كفاهم، وقالوا لا حاجة لنا فيما وراءه،.. ماذا فعلوا؟! ... قالوا لا نأخذ بغير حديث رسول الله الذي قال فيه: " ما بين المشرق والمغرب قبلة "، الذي قاله في المدينة وفقط لأهل المدينة ومن على خطهم، ... فماذا كانت النتيجة؟! ... وجه أذكياء المسلمين - ممن اتبع نصيحتهم - قبلتهم شطر القطب الجنوبي في بعض مساجد آسيا الوسطى، ووجهوها شطر المغرب في بعض مساجد الأندلس. .. ووالله ما أرى أمثالهم في هذا العصر – من فرط عراض وسادهم- إلا أنهم سيحرفونا عن قبلتنا ويضلونا عن مراد ربنا منا نحن المسلمين أبناء عصر دارت بنا الحياة بعد أن كانت مستوية استواء مكة والمدينة، مثلما دارت الأرض وتطلّبت حساب القبلة بعلم الفلك. فهل يقال عندئذ (قصر الكتاب والسنُّة عن الوفاء بمقصوده من هداية جميع المخاطبين به في كل زمان ومكان!) أم أنه تقصير أصحاب الوسائد المساكين، الذين لم يبعد أفق أفهامهم عن أفق أبصارهم، ويعيد أبناءهم سيرتهم باسم السلف، يُضلونا عن قبلتنا كما ضلت قبلة أمثالهم من قبل.
أما قوله:
[إن ثبت أن البشر يتفاوتون في قدراتهم العقلية والفكرية (وهو حق معروف بالاستقراء المستفيض)، وجب أن يكون خطاب القرءان مناسبا لأدناهم عقلا وعلما (الأميين منهم) كما يناسب أعلاهم، وأن يكون المراد من الخطاب واصلا إليهم كما إلى المثقفين والعلماء والخاصة، كلهم يفهمونه حق الفهم، بمجرد أن يضبطوا لسانهم على لسان المخاطبين الأوائل، أو ينقل إليهم معناه بألسنتهم، وإلا قصر الكتاب عن الوفاء بمقصود إيصال الهداية لجميع المخاطبين بهفهل لديك اعتراض على شيء من هذه القواعد الكلية الضرورية؟ أرجو أن يكون الاعتراض مشفوعا بالدليل بعيدا عن الكلام الخطابي والتهويل، وإلا فلن ألتفت إليه]

فلو صدق قوله: (وجب أن يكون خطاب القرءان مناسبا لأدناهم عقلا وعلما (الأميين منهم) كما يناسب أعلاهم) ويجعله من (القواعد الكلية الضرورية) فما أراه إلا عارض به قول الله تعالى "وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ" .. وأولوا الأمر في مسائل الفلك في هذا العصر هم علماء الفلك وليس علماء الحديث ولا التفسير القديم .. ولو صدق قوله بأمية القرآن - وهي النتيجة المؤلمة التي يؤدي كلامه إليها -  فلا حاجة عندئذ إلى خاصة يستنبطون وعامة يستفهمون، ولا إلى ما قاله علي رضي الله عنه من (فهمٍ يُعطيه الله رَجُلا في القرآن) .. إذ كل القرآن عندك لكل مسلم أمي معلوم. ولما تطلب الأمر آليات استنباط، ولا أصول فقه .. ولا ولا .. وليملأ جعبته من الخطابة والتهويل الذي يؤذيك إن صدق وصفه له ... ما دام أنه قد عرَّض كلامه لما يتطلبه من رد مفحم .. وسواء عندي أن يلتفت إليه أو لا يلتف .. لأني أكتبه للمسلمين فيعلموا  .. ولا يعودوا يولُّوا وجوههم شطر القطب الجنوبي مرة أخرى يقودهم الأذكياء .. الذين يقولون نتمسك بالسنة وأقوال السلف بظنهم .. فيضحك منا من الأمم السفهاء، بسبب ممن آذانا في ديننا، ممن يظنون أنفسهم وحدهم العقلاء. ويكيلون التهم والسب لغيرهم من المسلمين.
(# 67[متابعة الرد على مداخلة # 32]

قال أبو الفداء: 
أما قولك: [فأنت نفسك تعلم أن النبي لم يفسر من القرآن إلا القليل، وهذا وحده كافٍ على أن بيان القرآن (أي جميع آياته) سيكون عبر الزمن.]
فأقول: كلا ليس هو كافيا ولا لازما ولا يصح! ما معنى "سيكون عبر الزمن" هذه أصلا؟ وما بالك تتكلم في العلم والفلسفة ولا ترى ما في عبارتك هذه من إجمال فاحش لا يعذر فيه من يخوض مثل خوضك في كلام الله؟ سبحان الله!
أقول:
أُقيم عليه حجة بأن النبي لم يفسر إلا القليل، فيتجاهلها، ويهرب منها بالسب ويقول: (إجمال فاحش). وكأن السب والتجريح أصبح جزءاً من هذا الفقه الغريب الذي أطل بهامته في عصر تستبين فيه الملامح الفكرية والعقلية والمنطقية كأوضح ما تكون، وينكشف فيه الزيف والتمويه كأبين ما يكون.

وإذا لم يقبل خصمي من كلامي شيئاً ويسخر ويتهكم، ويقول: (ما معنى "سيكون – بيان القرآن- عبر الزمن" هذه أصلا؟) فلربما لو غيرت عبارتي وقلت الزمن هو الدهر. وقال الله تعالى (أنا الدهر) أي أنا الذي أصنع ما يأتي به الدهر، فلربما قَبِل خصمي قولي: (سيكون بيان القرآن عبر الدهر بما يأتي به الله من كشف معانيه) ولا فرق بين العبارتين عند العقلاء. غير أنه يعلم ما أريد قوله، ولكنه يأباه. 
(# 68) [متابعة الرد على مداخلة # 32]

قال أبو الفداء: 
أراك تتكئ على نفس الذريعة التي يتكئ عليها أكثر الإعجازيين في فتح باب الاختراع في تفسير كلام الله، فتقول: [ماذا أضاف الحرف (ر) في أول سورة الرعد (أ ل م ر) عن (أ ل م) فيما جاءت فيه من سور القرآن؟!أقول لك بكل حسم ... لا يعلم هذا أحد وحتى هذه اللحظة .. لا صحابي ولا من بعده ..]
قلت: يا أخي قف حيث وقفوا وخض حيث خاضوا، ما الضير في ذلك؟ الحروف المتقطعة منهم من توقف في تأويلها وفوض العلم بها لله، ومنهم من تأولها على أقوال لعلك مررت بها، فوجب ألا يخرج الحق في ذلك (الذي هو مراد الله حقا) عن تلك المذاهب التي ذهبوا إليها، وإلا ضلت أمم من المسلمين وقرون طويلة عن مراد الله من بعض كلامه وهذا ممتنع! فلماذا يثقل على بعض الناس التسليم بهذه القاعدة الضرورية في حماية جناب القرءان والدين من الابتداع والضلالة؟ السبب أن بعضنا قد عظم في نفسه جدا ما تخصص فيه من علوم الطبيعة، فظن – من غلوه وإفراطه - أن حجة القرءان في زماننا لن تقوم إلا بإعادة النظر في تأويله حتى يوافق تلك العلوم، وإذن يصبح الواحد منهم مجددا في عين نفسه، أتى بما لم تستطعه الأوائل، ولا يبقى ثم بدّ من توهين علوم الأولين ومعارفهم وادعاء أن الحق لم يبلغهم لقصورهم العلمي ولظروف معيشتهم وبداوتهم ... إلى آخر ذاك الهراء! هذه هي المشكلة حقا، ولن يراها إلا من تجرد.
أقول:
لم أسأل خصمي عن فهمه لمعنى الحروف المقطعة، بل عن الفرق بين حروف وحروف، لعلمي بأنه وأصحابه قد أعدوا إجابة واحدة لها جميعاً، ولكنها تتنوع، ولا تصح إجابة عامة عن الخاص، ومع ذلك أجاب بالإجابة العامة التي تضيع معها الفروق، ويضيع في ثناياها معنى الخاص، وكأنه لا يعلم السؤال، رغم أنه من أهل الذكاء والدراية، ولكنه تجاوز عين السؤال! وقال: [الحروف المتقطعة منهم من توقف في تأويلها وفوض العلم بها لله، ومنهم من تأولها على أقوال لعلك مررت بها، فوجب ألا يخرج الحق في ذلك (الذي هو مراد الله حقا) عن تلك المذاهب التي ذهبوا إليها]. 
ومثلما أننا مطالبون بأن نعرف الفرق بين الخيرين، والفرق بين الشرين، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، فكذلك وجب على من ينتسب إلى العلماء أن يعلم الفرق بين العِلْمَين، إن افترق المبنيين. مثل (أ ل م) و (أ ل م ر). والحاصل أنه إن زعم الزاعمون أن الحروف المقطعة معلومة الدلالة - رغم خلافنا معهم في ذلك - إلا أنهم لا يمكن أن يزعموا العلم بعلة الفرق بين ورود هذه الحروف أو تلك في سورة من السور. وهذا ما سألت عنه. ولأن هذا السؤال غير مجاب عنه في كتب التفسر بأي حال، فإن قول القائلين أن كتاب الله تعالى محكم البيان لأهل السلف والناس من وراءهم، غير صحيح. ويُعد تأصيلهم هذا الأصل الاجتهادي باكتمال بيان القرآن، مجروح بهذا السؤال الذي سألته لزعيم منهم في هذا الأصل. خاصّة وأنه المتزعم به هنا، وأنه المسؤول بالسؤال. .. أما أن يتجرأ ويقول: [وجب ألا يخرج الحق في ذلك (الذي هو مراد الله حقا) عن تلك المذاهب التي ذهبوا إليها]، فأراه قد قطع بمطابقة الأقوال التي أشار إليها مع مراد الله تعالى، وهي جرأة لم أكن أتوقعها، وقطع أيضاً بأن الحق لا يخرج عن ذلك، أي لا يزيد، .. ونصح - نصيحة تصد عن تدبر آيات الله! - وقال: [ قف حيث وقفوا وخض حيث خاضوا] .. وتعجب من أن يسعى المتدبر إلى الفهم الغائب أصلاً بغياب إجابة السؤال: وقال: [ ما الضير في ذلك؟] .. ويقصد: ما الضير بعدم معرفة هذه الفروق؟!! .. وكأن كل دفاعاته السالفة عن كمال علم السلف - الذين لم يدعوه هم أصلاً- والمتمثل في عدم خروج الحق عن مجموع أقوالهم، قد تبخرت!!
وما أجاب به خصمي فكان إجابة غير مسؤول عنها، عن سؤال مشروع، لأن اختلاف المبنى دلالة على افتراق المعنى، وكان يكفيه الاعتراف بأنه لا يدري؟! .. فلماذا التهرُّب وادعاء الكمال، ثم القطع بانغلاق باب الفهم والمصادرة على معاني كتاب الله بقوله: (وجب ألا يخرج الحق في ذلك (الذي هو مراد الله حقا) ...). ولو سُئل عنها مالك كما عهدنا عن إجاباته فيما لا يعلم: لقال: لا أدري. .. ولكأن علماء هذا العصر قد جاءهم من العلم ما لم يأت فقهاء السلف، فلا يتبعوهم حين لا يدرون فيعترفوا بأنهم مثلهم لا يدرون! ... أوليس هذه من مُلزمات اتباع السلف؟! .. فلماذا ها هنا فقط .. لا يتبعون السلف .. إن كانوا حقاً يتبعونهم !!! أم أن اتباع السلف اتباع انتقائي؟! .. أم أنه زعم بالاتباع لغرض البرهنة على كمال علم الدين عند من جمع علم السلف من مدونات السنين؟!
- قال أبو الفداء: [يا أخي قف حيث وقفوا وخض حيث خاضوا، ما الضير في ذلك؟] وقال الله: "كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ" فأي الأمرين تراني أتبع: أمر الله أم أمر أبي الفداء؟!. وأقول له: لن أقف مع الذين وقفوا، ويحثوني على الوقوف!.. والله تعالى يأمرني أن أسير، مثلما أني ما كنت لأصلّي مع الذين وجهوا قبلتهم جهة الجنوب يظنون أنهم يتبعون النبي صلى الله عليهم وسلم، لأن النبي ما كان ليقف معهم.
ويظن خصمي أن عدم علم جيل ما من الأجيال شيئاً في كتابه، وقد حفظ سبحانه ما لم يعلموه لزمان آت، يُعد من الضلال فيقول: [...وإلا ضلت أمم من المسلمين وقرون طويلة عن مراد الله من بعض كلامه وهذا ممتنع! فلماذا يثقل على بعض الناس التسليم بهذه القاعدة الضرورية في حماية جناب القرءان والدين من الابتداع والضلالة؟]
فأجيبه: لا يُسمّى هذا ضلال، لأن الله تعالى قد أخبر به، وقال لهم أن من القرآن ما سيشتبه عليهم "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ". وإن كان هذا سيعظم عليه .. فهذا شأنه .. وستمضي الأيام نعلم فيها عن القرآن ما لم يعلمه السابقون .. ونذهب وقد قصر علمنا .. وسيعلم من بعدنا ما لم يُقَدِّره الله لنا من العلم، وذلك لأنه القائل سبحانه ".. لَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ"، فما الحرج في ذلك؟! .. إن خلاف ذلك هو الكِبر العلمي .. وما هي نسبة إلى العلم، بل نسبة إلى جمع المسائل العلمية، أي الكبر بادعاء تمام العلم. لأن العلم يورث التواضع لا الكبر.
يقول أبو الفداء: [لماذا يثقل على بعض الناس التسليم بهذه القاعدة الضرورية في حماية جناب القرءان والدين من الابتداع والضلالة؟]
وهو ما يجلِّي العبرة بحجره الذي يحجره،.. إنه غلق باب الاجتهاد مرة أخرى سداً للذرائع .. بل سداً للهواء العليل أن يتنفسه الناس، وقهرهم على هواء عتيق يقصُر عن دواعي الحياة، ولا يلبي حوائج الناس إلا تحت الاضطرار. .. ومن أمثلته ما أقره فقهاء الحجاز من حُرمة العملات الورقية زمناً، امتثالاً بحرمة ما خلا النقدين الذهب والفضة في ذلك، فلما نفذ بيت مال الحجاز بما ينسل في أيدي الحجاج المغادرين، جاءت الفتوى بالإجازة تحت الاضطرار، وكأنها ميتة قد حلت اضطرارا. .. وهكذا كل ما جد في الحياة أصبح بابه الفقهي هو الاضطرار، حتى كأننا أصبحنا مُضطرون للحياة .. أي فقه هذا الذي يضيق على الناس حياتهم تحت راية (حماية جناب القرءان والدين من الابتداع والضلالة؟)
- وإن حلَّل صديقنا المسألة وقال: [السبب أن بعضنا قد عظم في نفسه جدا ما تخصص فيه من علوم الطبيعة، فظن – من غلوه وإفراطه - أن حجة القرءان في زماننا لن تقوم إلا بإعادة النظر في تأويله حتى يوافق تلك العلوم، وإذن يصبح الواحد منهم مجددا في عين نفسه، أتى بما لم تستطعه الأوائل، ولا يبقى ثم بُدّ من توهين علوم الأولين ومعارفهم وادعاء أن الحق لم يبلغهم لقصورهم العلمي ولظروف معيشتهم وبداوتهم ... إلى آخر ذاك الهراء! هذه هي المشكلة حقا، ولن يراها إلا من تجرد.]
فقط أخطأ التحليل، واتهم بالظن، وسبّ وجرّح كعادته. فلا المسألة تعظيم نفس، ونحن في ذيل الأمم. ولا غلو ولا إفراط، إلا عند من فقد تعيين الحد حتى ضيق الواسع، ومنع المباح، ولا فخر ومباهاة، إلا عند من قصرت همته وانحسر علمه، فانتقص من غيره، فيكونوا سواء.
وأما عن الاتهام بالاختراع في كلام الله - – أي الابتداع في دين الله، بقوله: [أراك تتكئ على نفس الذريعة التي يتكئ عليها أكثر الإعجازيين في فتح باب الاختراع في تفسير كلام الله]
فأقول له: لو أن كل مفسر - سلم تفسيره، لا معاجزاً شرد إعجازه - أراد شرحاً لكلام الله، بمباني لُغوية من عنده، لتفتيق المعاني المكنونة، اختراعاً للمباني لا للمعاني، لكان كل مفسر مخترع. فإن انكشفت المعاني بمعاينة مساقطها، فهذا تفسير كلام الله بخلق الله. فإن قال تعالى "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا " وذهبنا نعاين مستقرها، فأين أخطأنا؟! .. وإن امتنع قوم عن الذهاب معنا، وقعدوا وأغلقوا عيونهم عما رأينا، فأين أصابوا؟! المأمورون بالنظر فنظروا وتدبروا وفهموا، أم عصاة الأمر، القاعدون، الذين جعلوا بأنفسهم على قلوبهم أكنة، لأنهم إن سمعوا أو رأوا زاد من حملهم، واستعصى على فهمهم، وضاقت صدورهم، وعيل صبرهم. .. وكأن ذنبنا أن لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة .. !! .. وكأن فضيلتهم أن عطَّلوها ...!!
(# 69[متابعة الرد على مداخلة # 32]

قال أبو الفداء: 
أما قولك: [ببساطة .. لأن لهذا البيان موعد ... وهذا الموعد لمّا يأت بعد، ولا علاقة للسلف ولا للخلف حتى اللحظة بهذه الإجابة .. إلا أن يقولوا "آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا" (آل عمران:7) .. (أظن أن الرسالة وصلت)]
قلت: نعم وصلت، وحاصلها أن منهجك غلط! ولا متعلق لك في أثر قتادة، إلا كما تعلق الإعجازيون بأن الفتق هو الانفجار! فلا أرتاب في أن مراد قتادة على خلاف ما تريده أنت! والأمر واضح! فكأنه يظن أن مراد رب العالمين أن نتأمل في عظم السماوات والأرض، فنستحضر ما هو واجب عقلا من عظم أحداث خلقهما، حتى يتحصل لدينا اليقين بأنه سبحانه يعيد الخلق كما بدأه أول مرة! هذا معنى فطري بدهي صريح يخاطب به البشر في كل زمان ومكان فيعقلونه وتقوم عليهم حجته! أما أن يكون مراد قتادة أن في الآية تكليفا بدراسة تفاصيل أحداث خلق السماوات والأرض من طريق الاستقراء التجريبي، حتى نضع النظريات والفرضيات في تصورها، فهذا ما دونك إلى إثباته خرط القتاد
أقول:
بدلاً من الإقرار بأني جئته بشهادة من السلف – طلبها مني تعجيزاً بظنه- على حِل النظر في خلق السموات والأرض، بل وجوبه. سوّى (النظر في خلق السموات والأرض)، في عين عالم الفلك والكوزمولوجي المسلم، مثلما هو في عين البدوي السائر وراء الغنم، والمرأة في قعر دارها. سوي بين من يظن أن السماء أبعد قليلاً من الجبل الذي يراه أو السحاب الذي لو ركبه لطرق أبواب السماء، وبين من فاض الله عليه من فيوض الرصد وأسرار السماء، وعجائب الخلق وروعة القُدرة، وفرط الخلق، ولطافة التدبير. ولا نملك لبيان الفرق الذي أراد أن يمحوه صديقي إلا قول الله تعالى "لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"، ولو صدق صديقي، لقال الله في هذه الآية "ولكن الناس لا يعلمون"، ولكنه سبحانه – العليم الحكيم – قال "لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"، فإن كانت الكثرة لا تعلم، فما ذنبنا؟! .. هل أصبح العلم ذنباً .. إن هذا والله أعجب العجائب.

وإن لم يَلزَمنا إلا مُشترك واحد – عرَّفه بقوله: (معنى فطري بدهي صريح يخاطب به البشر في كل زمان ومكان فيعقلونه)، لما ارتقى سلم العلم أحدٌ، حتى يقول الله تعالى فيه "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ". .. ولا أستبعد إلا أن يحجر صديقي معنى "العلماء" في هذه الآية على علم الطهارة والأنساك حتى يخرج برد، مهما كان. وفي إطار ما سماه (علم السلف) تجميلاً وترويجاً له، ولو عاصرونا لما أقروه هذا الزعم، ولتبرءوا منه.
(# 70[متابعة الرد على مداخلة # 32]

قال أبو الفداء: 
أما قولك: [بل إنه إجماع على ما ظُنّ أنه مستحيل (من الاكتشافات الحديثة كالطيران)، وبحكم العادة والأعراف المعرفية، وليس الشرع، حتى لو أنكرته، وإذا كان في الإجماع دلائل على عدم عودته إلى الشرع، فلا عبرة به لأن الشرع (يقين وظن راجح) .. فمَن مِن الأسبقين إلا ويقطع باستحالة العلم بأسرار تركيب النجوم وأبعادها، وتاريخ الأرض وأغوارها .. إلخ.. ثم أصبح هذا المستحيل محققا .. وإذا أجمع فئة من الناس على استحالة العلم عبر اتخاذ أسباب العلم في زمنهم، حتى ولو كانوا أتقى الناس، فلا عبرة بكلامهم الذي لا ينطبق إلا على زمنهم فقط ... لأن العلم أصدق من أقوال الناس إلا إذا ارتبط كلامهم بمصدر إلهي واشتُقّ منه اشتقاقاً لازما ... ثم أن السلف لم يصرحوا بذلك .. بل إن المعاصرين هم الذين نسبوا إليهم هذا الإجماع الموهوم .. ولهذا سميته (إجماع سكوتي – بافتراض أنه إجماع جدلاً). والأصوب .. كما وصفت أنت مؤخراً .. أنه فهم ممتنع بحكم العادة .. وليس .. إجماعا عمليا معقودا عبر قرون الأمة .. كما زعمت أنت أيضاً آنفا.]
فلست أرى له تأثيرا على ما قررته أنا من التفريق بين الإجماع المنهجي (فيما يتعلق بالقضايا الغيبية) وما قد يزعمه بعض الأولين من إجماع فيما يتعلق بالممكنات العقلية المعتادة (معرفيا) في هذا الزمان أو ذاك. وظني أن فيما بينته آنفا تفريق واضح بين القضايا الاعتيادية الداخلة معرفتها من طريق الحس والمشاهدة في حيز الإمكان العقلي من جانب، والقضايا المغيبة تغييبا مطلقا بموجب العقل من الجانب الآخر، فلا أرى داعيا لزبر الصفحات المطولة في تكرار ما تقدم بيانه.
أقول:
إن خلافنا ليس في الغيبيات الكبرى، من مثل (متى الساعة؟) على تقويم الزمان، وما شاكله، وإنما في ما هو بَيْن بَيْن، أي فيما يظن صديقي أنه من الغيبيات وهو ليس كذلك. فالسؤال عن بدء الخلق، وأحداثه مشروع، بل مأمور به من أوتي فيه علما وسببا، وذلك في قول الله تعالى "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ"، إلا أن يمنعه المانعون بلا مستند ولا توكيل من رب العالمين، ومن ساير منهجه التحجيري على الفكر. وكأننا عندهم مأمورون بأن نستجيب لأمر الله بتدبر كتابه استجابة القرن الهجري الأول بأسبابه وأعرافه الثقافية، رغم البون الشاسع في أسباب العلم والحصيلة المعرفية، والتي أرى خصمي يرميها بجملتها في سلة المهملات!
وإذا كان قوله: (لست أرى له - أي كلامي - تأثيرا )،  فأقول له: لا أقهرك على هضم ما يصعب على بعض الناس هضمه، لأن أجهزة الهضم المعرفي لا تتكافأ بين الناس. فرُب مانع يمنعك، لا تدري به، أو ربما يتغير رأيك كما تغير رأي عمر – رضي الله عنه - في حروب الردة بعد أن كان لها من الكارهين.

(# 71[متابعة الرد على مداخلة # 32]

قال أبو الفداء: 
أما قولك: [هذا وقد علمت أن هناك من يأبى الاطلاع الجاد على هذه الروابط ((حول أيام خلق السموات والأرض – تأويل جديد) .. هنا و هنا)، أو يرفض الحجج الراجحة فيها، معتبراً أنها مرجوحة قبل أن يقرأها أو يُمعن فيها النظر! .. وقد اكتفى بما عنده من العلم!! ...رغم أنه يعلم أن القرآن لا يشبع منه العلماء!!! ... فكيف شبع ؟! ... لا أدري ..!!!]
فإن كنت تقصدني أنا، فقد سبق أن قررت لك قاعدة لا أحسبك تملك لها دفعا: أن الأصل الكلي إذا سقط، سقطت معه سائر فروعه ... ولن أزيد على ذلك!
أقول:
أصل وفروع .. مبدأ اجتهادي مشروع .. حتى يظهر ما به من وصل أو رقوع .. فكيف لا أملك له دفعاً وهو متهاوٍ بنفسه؛ بما فيه من حجر للفهم، ومعارضة لكلام الله، وإحكام المتشابه تحكماً قبل إحكامه، وتفسير الحروف المقطعة بأنها حروف الهجاء وكفى، وأنه لا عبرة بالفروق بين حروف وحروف، ولا ضير في معرفتها ؟! .. وبعد كل هذا - وغيره مما لا وقت لسرده، يقال أني لا أملك له دفعاً .. والأحرى أن يُقال: لا يملك أصحابه له نصبا، وإلا وقع على رؤوسهم.
كما أن هذا الرد من أبي الفداء إقرار بأن هذا الاجتهاد التأصيلي له، يمنعه من النظر في الحجج التي أشرت إلى روابطها. وهذا يدل على أسبقية المصادرة، رغم أنه خلاف أعراف المنهج العلمي، الذي يجب فيه وضع كل الاجتهادات في حيزها الموضوعي، وسماع حجة الخصم، دون المصادرة عليها أو الإصرار على عدم سماعها والالتفات إلى تقييم معناها. لأن الفاعل لذلك في أعراف المناهج المعتبرة دوجمائي الفكر. والدوجمائية هي الامتناع عن السماع الموضوعي لحجة الخصم، ناهيك عن الاعتراف بها، وهو مستوى لا يصل إليه إلا المتجردون – باصطلاح أبي الفداء.
(# 72) [متابعة الرد على مداخلة # 32]

قال أبو الفداء: 
وأما (قولك) هذا: [وأقول له: ما علينا إلا البلاغ العلمي ببيناته، لا الفلسفي بجدلياته.]
فلعله قد تبين للقارئ المدقق أنك بكل أسف لم تدرس ما تلزمك دراسته من قضايا منهجية وأصولية وفلسفية، حتى تنسب ما جئتك به في هذه المناظرة من دعاوى كلية إلى "جدليات الفلاسفة" تريد توهينها، ثم لا تقابلها إن فعلت إلا بألفظ مجملة لا زمام لها ولا خطام، كهذه التي سطرتها في الاقتباس أعلاه!
أقول له:
جئتك بأكثر مما طلبته فطرحته أرضا. سألتني بشهادة ولو واحد فقط من السلف، فجئتك بقول قتادة .. فأنكرت معناه البين الجاهر ...
وجئتك ببيان كيف تستخدم (ثم) في الترتيب الإخباري الامتدادي، لبيان معنى بقائنا في اليوم السادس من أيام الخلق، فأدرت الدفة لغير موضوعها بحجة مُختَلَقَة أني أتأول استواء الله تعالى على العرش .. وهو اتهام زائف .. ولم يكن إلا هروباً.
وأحلتك إلى روابط عملية بينة، فتجاهلتها واستمسكت بأصل لا أصل له، إلا سداً للذرائع، بما يمنع الناس من الاجتهاد في فهم كتاب الله رب العالمين، بلا سلطان راجح، فضلاً عن أن يكون مبين.
ويمكن للقارئ أيضاً أن يعود ليرى غير ذلك من حجج علمية وبرهانية فاضت عن الحصر! فمن منا ذلك الذي هرب من مناقشة مسألة دوران الأرض احتجاجاً بالجدليات الفلسفية التي تنكر الآن أنها العدة الأولى عندك، حتى أنها سبقت في كل كلامك أي استشهاد بنصوص قرآنية أو نبوية، الذي يكاد أن يكون غائباً غياباً تاما!!!  
(# 73[الرد على مداخلة # 35]

قال أبو الفداء: 
ما كنت أرجو بمشاركتي في هذا الشريط أن أجادل باحثا من الإعجازيين أو من لف لفهم
أقول:
من اليسير أن يعلم القارئ كم أسهبت في نقد أعمال "الإعجازيين" على صفحات هذه المدونة. وكيف ذكرتهم على مدار عدة سنوات بهذا الاسم، وقصدت به أولئك الذين يستهدفون إظهار الإعجاز القرآني في سبقه بالكشوف العلمية التي أتى بها الأوربيون. ولكنهم مع شرف هدفهم، قصّروا كثيراً في جودة المادة العلمية التي عرضوها – وما زالوا – على الناس، وذلك من حيث فهمهم للكشوف العلمية من جهة، ولمعاني القرآن من جهة ثانية. إضافة إلى الهرولة في العرض، وغياب الرصانة، وادعاء الإعجاز في أمور كثيرة عالقة لم تُحسم بعد.
فإذا كان هذا هو موقفي من الإعجازيين، فكيف أدرجني معهم صاحب العبارة أعلاه؟!
يبدو إذاً – إذا كان منتبهاً لمفارقتي لهم فيما عاتبتهم عليه – أني لست ممن استنقصهم صاحب العبارة، وإنما ممن سماهم هو (من لفّ لفَّهم)، بغض النظر عما في هذا التعبير من سوء. ويبدو أنه يقصد: مَنْ اسْتنصر بالكشوف العلمية الحديثة وأنزلها من القرآن منزلة استشهاد أو مصدر علم إضافي لفهم معاني كلام الله تعالى. ويبدو أن إساءة التعبير في وصف ذلك إشارة إلى اعتراض صاحب التعبير على منهج صاحبه، أو ذمِّه له. وكأنه يذمنا لأننا نستنصر بخلق الله على فهم كلام الله عن عين هذا الخلق! .. وهو أمر مُستغرب، إلا عند من لا يصدق خلق الله إذا نطقت، أو أنه يُكذّب بأنها تنطق إذا استُنطقت!!!

فإن كان كذلك، فأنا فعلاً أعتبر الأساسيات الإمبريقية – أي التجريبية - للعلوم الحديثة وبقوة، مصدراً للعلم، الذي لا ينبغي نبذه تحت أي دعوى استنكارية، مهما جمَّلها صاحبها بكلام من معسول الدين. لأن العلوم التي تقوم على استنطاق خلق الله عن سنته تعالى في خلقه لها، يجب أن تُحترم بقدر ما فيها من براهين وأدلة. بل إن الــمُنكر لدلالاتها وحبكة البراهين القائمة على صدقها، وصرامة استدلالاتها، مُكذِّب لنوع من الحق، لا عن حقِّ عنده بأنها فاسدة، بل لعدم علمه بأنها صحيحة. وهذا يُعذر، لعدم علمه، ولكن ليس لفتواه فيها بخلوها من القيمة، حتى وإن ترفَّع عن أن يحاورنا لسقوط حجتنا في نظره. وإن كان يرثو لنا، فإنا نرثو له كما يرثو لنا. ونعذره من حيث لا يعذرنا، ونقيم عليه الحجة فيما استنقص من معاني علمية تجريبية رصينة، يُعد إنكارها معيباً عند أصحاب البراهين، وبما يُخرج المنكر لها من أهلية الحوار حولها!
(# 74[متابعة الرد على مداخلة # 35]

قال عني أبو الفداء: 
كان ولا يزال مصرا على تجاهل مباحث وجهد النظار والفلاسفة في تأصيل طرائق الاستدلال وتقدير مراتبها في ذلك الشأن كله، بدعوى أن مباحث الفلسفة كلها عبث وهباء وسفسطة (وأسأله ها هنا بالمناسبة: هل يرى أصول الفقه وأصول التفسير من العبث والسفسطة كذلك؟ فهي أيضا تعد من مباحث التأصيل الكلي لضبط أبواب العلم الشرعي ومصادر التلقي المعرفي فيه! وقد حاججته في بعضها وبينت له تناقض منهجه فيها فلم يلتفت، ولم يزد على تكرار ما كان قد قاله من قبل!)، مصرا على التمسك بفهم عامي صرف لما يقال له فلسفة العلم الطبيعي ولما يقال له "المشاهدات التجريبية"، دع عنك الانفراد باختراع المصطلحات وضرب العبارات الرنانة المغرقة في التشابه، ككلامه عما يسميه هو "بالعلم الفزيقي السببي" (!) معتقدا أن كثرة الدندنة حول "العلم" و"السببية التامة" ودلالة المشاهدة القطعية ونحو ذلك من مجملات لا يريد الخوض في تفصيلها وضابط الحكم عليها بأنها "علم" أو غير ذلك = تأتي بثمرة تمرير مصنفاته ومقالاته للقراء على أنها هي محض العلم والحجة العلمية، معتبرا من يخالفه في مقصوده من الألفاظ "العلم" و"الفيزيقي" و"السببي" (فضلا عن تركيبه تلك الألفاظ على هذا النحو): متفلسفسا مسفسطا .. الخ!
أقول:
يتهمني صاحب العبارة أعلى بـ : (تجاهل مباحث وجهد النظار والفلاسفة في تأصيل طرائق الاستدلال وتقدير مراتبها في ذلك الشأن كله، بدعوى أن مباحث الفلسفة كلها عبث وهباء وسفسطة (وأسأله ها هنا بالمناسبة: هل يرى أصول الفقه وأصول التفسير من العبث والسفسطة كذلك؟ فهي أيضا تعد من مباحث التأصيل الكلي لضبط أبواب العلم الشرعي ومصادر التلقي المعرفي فيه!)
مع ملاحظ تسويته بين (مباحث وجهد النظار والفلاسفة في تأصيل طرائق الاستدلال وتقدير مراتبها) و (مباحث الفلسفة) .. ومن ثم اعتبر أن (أصول الفقه وأصول التفسير) مثلها مثل (المباحث الفلسفية). وأن أي هجوم نقدي على (المباحث الفلسفة) واتهامها بالعبث والسفسطة هو أيضاً اتهام لأصول الفقه والتفسير.
وهذا من أعجب العجب.
ما لـ (أصول الفقه والتفسير) بالفلسفة، حتى وإن تجمّلت الفلسفة بصفة (العلمية) ؟!
ما علاقة هذا بذاك؟!
أصول الفقه والتفسير قامت على تقريرات نصوصية قرآنية ونبوية – ثم استقرائية فقهية - في بناء العقل التنظيري والتأصيلي الفقهي والتفسيري. أما الفلسفة ومباحثها ما-قبل العلمية، والعلمية، فقامت وما زالت تقوم على بنى تصورية انطباعية لأصحابها، لا ترتد إلى أي أصل خبري عن صادق، أو خبرة من واقع. إنها تقوم عند أصحابها على ما يسموه (العقل) كمصدر، حتى وإن تخلّى بعضهم عنه في الظاهر، كأصحاب الوضعية المنطقية وحصروا عمل الفلسفة في التحليلات اللغوية، خشية الوقوع في متاهات الماضي. أي أنها علوم عقلية محضة، لا رابط لها. ومعلوم كيف كانت في أشد درجات الشطح قبل عصر العلم الحديث، فلما أزاحتها العلوم الحديثة من سُدّة القيمة العلمية، تمحلت لها موقعا، وجاءت برداء جديد إسمه (الفلسفة العلمية)ـ لتجد لها موطء قدم!! وبماذا جاءت؟! .. جاءت ببنيوية تصورية للعلم الذي أزاحها لتضع أصولاً انطباعية مرة أخرى، تنتقد به أعمال العلماء الذين أزاحوها من قبل؟! .. منتهى العجرفة والسفسطة، .. لم تتعلم الفلسفة من التاريخ .. ولم تعتبر بهزائمها، فجاءت لتعيد الكرة، .. فهل صوَّبت منهم مخطئاً، أو رسمت طريقاً جهلوه، لا لم تفعل؟! .. إنها هي هي لأن مصدرها المعرفي ليس إلا العقل المجرد، وهو ليس مصدر لشيء إلا إعادة ترتيب أوراق اللعبة العلمية، وإضافة تصورات لا علاقة لها بشيء، إلا إذا أخذت منه شيء تشبهاً بالعلم، لأنها خالية من المصدر. إن حاصل عملها لا يزيد عن طحن المطحون، واختراع أسماء جديدة لمسميات قديمة، ثم النفخ فيها فتصبح مدارس علمية موهومة.
ومن ظن أن مقام (أصول الفقه والتفسير) من مقام المباحث الفلسفية، فهو جاني بحق أصول النظر الإسلامية إذ يضعها في هذا المقام المتدني من الفكر، والذي طالما حاربه الإسلام وحكماؤه، فأنّى بصاحب العبارة والاتهام أعلى الآن يدافع عن المباحث الفلسفية بتشبيهها بأصول الفقه والتفسير، أي جناية يرتكبها بفعله هذا. .. أللهم إلا إذا كان يريد تمويهاً على الناس بشرعية مباحثة الفلسفية، والتي إن تساوت مع أصول الفقه والفلسفة – زوراً وبهتاناً، أصبح لها من الشرعية، ما يتمناه، ودلل على وجاهة أبحاثه ومكتوباته؟! .. هذا هو الظاهر لنا .. والله تعالى أعلم.
أما قول أبو الفداء: (وقد حاججته في بعضها وبينت له تناقض منهجه فيها فلم يلتفت، ولم يزد على تكرار ما كان قد قاله من قبل!) فلم يحدث أن قدم شيئاً ذي قيمة – فضلاً عما هو عديم القيمة – ولم يحدث أني لم أرد عليه، أو لم أضعه في قوائم الرد .. وليراجع كلامه وليريني ذلك الذي أعرضت عنه بعد أن ينتهي كلامي. ..
 وأما قوله عني: (مُصراً على التمسك بفهم عامي صرف لما يقال له (فلسفة العلم الطبيعي) ولما يقال له "المشاهدات التجريبية"، دع عنك الانفراد باختراع المصطلحات وضرب العبارات الرنانة المغرقة في التشابه، ككلامه عما يسميه هو "بالعلم الفزيقي السببي" (!))
فمن الواضح فيه أنه يدافع عن (فلسفة العلم الطبيعي) الذي يركب موجتها للنيل من العلوم الطبيعية وأصحابها فيما سماه (خرافات الطبيعيين في عنوان كتابه في صدر الصفحة أعلى). فإذا جاء من يُظهر خواء (فلسفة العلم الطبيعي) من القيمة الحجاجية، تهاوى مشروعه التسفيهي للطبيعيات. وأصبح قائماً على خواء مما سماه أصول أو أساسيات. لذا كان عليه أن يدافع عن مشروعه ويتهم من ينال منه بأنه صاحب (فهم عامي) فيلجأ إلى الشخصنة، وكان أولى به اللصوق بالمادة العلمية، لا بشخص المتكلم. .. ومن خير الأدلة على عدم وقوفه على قيمة حجتي، عدم علمه بما أدرجته من مصطلحات قال عنها: (دع عنك الانفراد باختراع المصطلحات) ويقصد منها (الذرية العلمية) و(النصاب العلمي) وقد بينت له وللقراء كيف أنها مصطلحات دارجة على ألسنة أصحاب فلسفة العلوم، وأحلت إلى مصادرها، عسى أن يراجع معلوماته، ويدرك تجاوزاته، وقصور معرفته حتى بما يدافع عنه من أدورات الفلسفة العلمية التي يستنصر بها.
وأما اتهامي بـالإتيان بـ (مجملات لا أريد الخوض في تفصيلها وضابط الحكم عليها بأنها "علم") فخير دليل على بهتان الاتهام، هروب صاحبه من الحوار حتى لا ينكشف خواء حججه، وتحويله مسألة دوران الأرض وحركتها من مسألة علمية إلى مسألة فلسفية!! .. تهرباً من الاعتراف بما إذا اعترف به ... سقط مشروعه، ومجمل حُجَجه.
من إذاً ذلك الذي لا يريد الخوض في التفصيل وضبط الأحكام، من هرب؟! .. أم من بقى ؟!
(# 75[متابعة الرد على مداخلة # 35]

قال أبو الفداء متجاوزاً كل حدود اللياقة
يقول (الأخ كزابر) ويصر على التكرار (تشويشا على محل النزاع الكبير بيني وبينه في المنهج الكلي): (هو – أي المنهج الواجب اتباعه- ليس كذلك (من جهتي)، بل هو عندي علمي وأصولي. وشتان بين الفلسفي والعلمي. فالعلمي وقائع مقننة، ومسارات واضحة، وهو ما تفتقر إليه الفلسفة (بما فيها الفلسفة العلمية). .. وما أثبتت الفلسفة وحفيدتها (الفلسفة العلمية) في عمرها المعهود شيئاً، وما دحضت دليلا، وأقصى ما تصل إليه هو إشاعة التشكيك بين أنصاف المتعلمين، .. وربما يصل بها الأمر إلى التشكيك في الحواس، والذات المفكرة، بل وحتى وجود الكون ......... الخ.. )
يا أخ كزابر، مناظرتنا هذه فلسفية أصولية (نوعا) من أولها لآخرها رغم أنف سيادتك، بداية من مواضع النزاع ووصولا إلى مفردات الأدلة والبراهين، وطريقة بناء الرد على الدعوى وتحرير محل النزاع (الذي تأبى إلى الآن أن تدركه)، حتى كلامنا في أصول تأويل القرءان فهو كلام أصولي عقلي بالضرورة! فإن زعمت أن فقرك الظاهر في الصناعات العقلية والفلسفية لا يضيرك، فهذا من الجهل المركب أصلح الله حالنا وحالك! 
أقول:
حول قوله: (مناظرتنا هذه فلسفية أصولية (نوعا) من أولها لآخرها)
أقول: هناك المناظرة الفلسفية، وهناك المناظرة الأصولية.
فالأولى تكون العُدة فيها لاصطلاحات الفلسفة العلمية، ولمدرسة من مدارسها العديدة يتبناها المناظر. فإن كان يستقوى المناظر بجملة من الأقوال، التي لا يؤمن بها من حيث أنه سلفي، فكيف يستقوي بها، وإن كان جاء بها ليهدم ما سماه خرافات الطبيعيين، فمنهجه (كلامي) على نمط متكلمي المسلمين في العصور الوسطى الذين احتموا بأدوات الفلسفة اليونانية في الإجهاز على الإلحاد اليوناني، وإثبات شموخ الإسلام فوقه. وهؤلاء كانوا صرحاء في قيام حججهم على الفلسفة والعقل وليس على أصول الفقه والنظر الإسلامي الرصين. بينما نجد أن ابن تيمية لما حارب الفلسفة حاربها بأصول إسلامية صرفة لا فلسفة فيها. أما صاحبنا أعلى، فهو يخلط جملة من الفلسفة العلمية المعاصرة، مع نكهة أصولية سلفية، ليسمي الخلطة الناتجة (أصولية فلسفية)، والحقيقة أنها ليست أصولية صرفة، ولا فلسفية صرفة. إنها شيء لا طعم له ولا رائحة. ناهيك عن أنه ينكر وجود أي صفة (علمية منهجية) لأنه لا يؤمن بأن التجريبيات تقول شيء ذي قيمة علمية. .. فإن كان هذا هو منهج صديقنا المطبوخ من عدة اصطلاحات، وقد صرحت له في عبارتي التي اقتبسها أني أرفضه شكلاً ومعنى، وأن منهجي (علمي) صريح، وليس فلسفي مخلوط، فأنى له يجبرني على خلطته التي لا تغني ولا تسمن من جوع إلا التشويش كما قلت له؟! .. وبدلاً من أن يعترف بأنه طباخ جديد في الصنعة، ويعد وجبة جديدة لن يستسيغها أحد، يخلط فيها السلفية بالفلسفة ، راح يسبني ويقول: (يا أخ كزابر مناظرتنا هذه فلسفية أصولية (نوعا) من أولها لآخرها رغم أنف سيادتك ) .. وكأنه يقول هذه الطبخة ذكية النكهة طيبة المذاق ... رغم أنف سيادتك. فأقول: لا تعليق (على تطاوله وعدم لياقته). وأنه لن يجد لمطعمه هذا زبون واحد إلا من أكرههم هو من طلابه على ذلك؛ أي: رغم أنوفهم. وأتساءل: أي علم هذا الذي يتعلمه الناس رغم أنوفهم؟! .. وأي إرهاب هذا الذي أراه في العلم؟! .. إلا أن يكون شيئاً آخر يكتسي رداء العلم!!!
وحول قوله: [محل النزاع (الذي تأبى إلى الآن أن تدركه)]
فإنه يقصد بمحل النزاع أنه ينكر الحجّة التي أسميها (علمية) وأقصد: التجريبيات وما ينبني عليها، ويقبل الخوض الفلسفي. ويرى أن محل النزاع في أن تلك التجريبيات، وما يلحق بها من قطع وترجيح .. لا اعتبار به، وأنها تفتقر إلى دليل خارجي. .. يريدني أن أسوق إليه دليل على أن الحواس ذات قيمة !!! .. ويرى أني إذا لم آتِ له بدليل على أن (العين ترى والماء يروي .. ) فأنا ما زلت لم أوفيه طلبه بالبرهان على صدق التجريبيات!!! ... هذا هو محل النزاع عنده. .. أما ما يثق فيه ولا يعتبر أنه بحاجة إلى دليل عليه فهو (العقل المجرد) !!! ... والله الذي لا إله إلا هو .. ما أراه من صاحبي هذا  إلا فهماً فوق العجب .. يريدني أن أستشهد بالغائب على الحاضر ... وعلى النقيض من كل معاقل الفهم. يريدني أن أستشهد بالعقل المجرد على صدق التجريبيات .. يا للهول. .. وسوف يتضح محل النزاع هذا أكثر وأكثر بعد قليل من المداخلات.
والغريب .. أنه يتهمني أني لم أدرك بعد محل النزاع، وإلا كان علي أن آتي به. .. ولو قال مثلها أحد من الناس لعمر ابن الخطاب، لجعله من أصحاب (العقال المجرد – أي جرده من عقاله) لا (العقل المجرد).
وحول قوله: [كلامنا في أصول تأويل القرءان فهو كلام أصولي عقلي بالضرورة!]
أقول: كلامنا في تأويل القرآن (أصولي فقهي)، لا (أصولي عقلي) .. لأن لفظ (العقل) عنده مصدر معرفي، وقد استخدمه من قبل في الاستدلال على أن العقل المجرد - الموهوم عنده - لا يمنع أن تتحرك الأجرام السماوية بأسرع من سرعة الضوء حتى لو خالف هذا القول الأدلة الواقعية –قوانين الفيزياء- التي تُحيل ذلك ، أما عندي فـ العقل ليس بمصدر، بل هو أداة تحليل معلوماتية معرفية ليس إلا.
وأخيراً حول قوله: [إن زعمت أن فقرك الظاهر في الصناعات العقلية والفلسفية لا يضيرك، فهذا من الجهل المركب أصلح الله حالنا وحالك]
فأقول: لا تعليق!!! .. غير أن وقوف القارئ الفطن على كامل الحوار، يجعله حكماً عادلاً. أما هذه الشخصنة وكثرة السب من صاحب الكلام، والنيل من شخصي بعد فشل النيل من حججي، فلا تستحق عناء الرد عليها، أو حتى الاكتراث بها.
(# 76[متابعة الرد على مداخلة # 35]

قال أبو الفداء ابن مسعود عني: 
الأخ يخوض في قضايا في غاية الدقة والخطورة، معتقدا أن علمه بما درسه في الفيزياء والفلك يكفيه ويجزئه، وهذا هو موطن المرض وبيت الداء الذي أغرق عامة الإعجازيين فيما غرقوا فيه! مع أنه لو اعترف بافتقاره إلى قدر ولو قليل من النظر في مباحث فلاسفة العلم الطبيعي (دع عنك أصول النظر في العلوم الشرعية التي أثبت بجلاء أنه عامي فيها)، وإلى التأمل – بتجرد – في منهجية الاستدلال بالتجريب والمشاهدة في بناء النماذج النظرية الطبيعية المعاصرة، لأدرك عظيم جنايته بهذا الكلام الذي كتبه آنفا! ولكن كما يقال: المرؤ عدو ما يجهل! الرجل لا يدري أصلا فيم أتكلم، وينسبني بكل سهولة إلى التشكيك في البدهيات والمسلمات، يطالبني بقبول كلياته المنهجية التي صرح ببعضها أخيرا بعد طول جدال، أقبلها قبول العميان بلا نقد، فمن انتقد فهو مسفسط لمجرد ذلك، يوشك أن يسقط العقل كله والعلم كله والسببية نفسها، فسبحان الله العظيم!
أقول:
حول قوله: (..موطن المرض وبيت الداء الذي أغرق عامة الإعجازيين فيما غرقوا فيه!)
أقول: قد شرحت أعلى (مداخلة #68 و #73) علاقتي بالإعجازيين، وكيف أني أنتقدهم على منهج علمي في عين الأخطاء التي وقعوا فيها، على التعيين، وليس بتهويل من الكلام كما يسكبه صاحب الكلام أعلى، سواء عليّ أو عليهم في آن واحد. وما رأيته يتناول مسألة واحدة على نحوٍ تحقيقي، أللهم إلا استصحاب ألفاظ فلسفية – وخاصة: العقل العقل – بما لا يُغني شيئا.
وحول قوله: (دع عنك أصول النظر في العلوم الشرعية التي أثبت بجلاء أنه عامي فيها)
فما رأيته أتى بأصول في النظر، ولا أقام أي بناء على أي أصول، ولا تحاورنا في شيء من هذه الأصول، إلا قوله أنه يتبع منهج السنة والجماعة القذة بالقذة، والذين – حسب قوله – لا بد حتماً ألا يخرجوا على قول السلف في تفسير الآيات الكونية مثلما هو الأمر في غيرها، رغم أن هذا قول السلفيين فقط من أهل السنة والجماعة. بل إنه استنكر هذا اللفظ (الآيات الكونية) بحجة أن القرآن ليس كتاب طبيعة. وما عدا ذلك فلم أره يعظم إلا (العقل المجرد)، وهو تعظيم يقترب من التقديس، ولو سألناه عن ما هو العقل المجرد، لما وافقه عليه أهل السنة والجماعة، بل لما اتفق اثنان على تعريفه، أللهم إلا إذا كان أحدهما يقلد الآخر، ويستنسخ كلامه، كطلابه الذين يظن أني واحد منهم. ... فهل العقل المجرد الذي يستصحبه معه أينما تكلم هو أصل أصول النظر في العلوم الشرعية!!!
فإذا لم يدُر أي حوار فعلي حول هذه الأصول، فأنّى له يعلم أني عامي في أصول النظر في العلوم الشرعية ناهيك أن يكون ذلك قد ثبت بجلاء كما يزعم!! ووما عدا ذلك فما رأيت منه إلا اعتراضات على تأصيلي في معالجة مسائل التفسير العلمي، والتي أدرجتها في مداخلة #10، وطلبت منه على إثرها أن يعيد النظر في عدد من تقريراته في مداخلته #9. 
وحول قوله: (افتقاره إلى التأمل – بتجرد – في منهجية الاستدلال بالتجريب والمشاهدة في بناء النماذج النظرية الطبيعية المعاصرة)
أقول: كل ما رأيت منه هو إنكار الارتكان إلى التجريب والمشاهدة واستخدامهما في تمييز متشابهات القول في المسائل الطبيعية ذات العلاقة بها، وتصريحه بأنها ليست مصدر علم، فأنكرت عليه ذلك، فأصبحت أنا الذي أفتقر إلى .. منهجية الاستدلال بالتجريب والمشاهدة في بناء النماذج ... .. وإني والله لقادر على مناظرته في أي نظرية - في الفيزياء أو الفلك أو الكوزمولوجي - قامت على أصول من التجريب والمشاهدة - فيما يجوز قبوله منها وما لا يجوز قبوله - لنرى من منا الفقير في ذلك.
وحول قوله: (الرجل لا يدري أصلا فيم أتكلم، وينسبني بكل سهولة إلى التشكيك في البدهيات والمسلمات)
أقول: كل من يرتكن إلى (العقل المجرد) ويعتبره مصدر معرفي، ويستنكر أن ينطق الواقع التجريبي بحق، يصوب به مقولات العقل المجرد، والذي يكثر منه الجنوح، لابد وأن يصل إلى التشكيك في كل شيء، .. وصديقنا يفعل ذلك، لأن عمدته هو (العقل المجرد)، ويعادي صدق التجربة ونطقها بحق، .. ومآل من يفعل ذلك حتماً إلى تشكيك – قرائه - في أي استدلالات طبيعية عند الطبيعيين وبلا تمييز - وغرضه في ذلك واضح، وهو أنه ليس هناك من معرفة إلا في (نصوص الوحي على المنهج السلفي). وما عدا ذلك يجب أن يشكك فيه طلاب العلم، ويقنعهم أن أصحاب العلوم الطبيعية على منهج التخريف . .. هذا هو منهج صاحبنا وهذا هو غرضه .. تخريف الطبيعيين، وصدق السلفيين. وأتحداه أن يُنكر في نفسه هذا الهدف. .. وأستطيع أن أقيم الأدلة على هذا التوجه من منصوص كلامه .. .. ويبدو لي أني أكشف له عن مراد نفسه – التي يشهد عليها كلامه، سواء وعي به أو لا يعي – أي نفسه التي ربما لا يعلم ماذا تريد حقاً من سردياته ومطولاته، وخاصة في كتابه، الذي يزعم في عنوانه بأنه (آلة الموحدين لكشف خرافات الطبيعيين).
وحول قوله عني: (يوشك أن يسقط العقل كله، والعلم كله، والسببية نفسها)!
فأقول: أني أنكرت أن العقل (الذي يسميه المجرد) مصدر علم، وأنه لا يزيد عن أداة تحليل. أما الذي أنكر العلم (الطبيعي) فهو القائل عن صناعات أهله على الإجمال (خرافات الطبيعيين) لا يريد أن يميز الصالح منه من الطالح، وأن يقف على مسائل النظرية الواحدة بما يقبل المؤكد ويطرح الضعيف، فإن رآها أتت بشيء متهافت، طرحها جميعاً واتهم أهلها بالتخريف وادعى أنها قائمة على أصل فلسفي فاسد، وما هي كذلك بالضرورة. وعلى هذا المنوال تقوم كل تحقيقاته، أن الأصول العلمية فلسفية إلحادية، ويجب عندئذ طرح كل مخرجاتها، بلا تحقيق ولا تفصيل، .. والغريب أنه لا  يعتبر أن هذا إسقاط للعلم، بل يتهمني أنا بما تلبس هو به. .. أما السببية (الطبيعية) فقد أنكرها في غدوه ورواحه، وسخر من تمسكي بها، في إطار من التحقيق والضبط. .. فإن جاء هنا يتذرع بخلاف ما يؤول إليه كلامه، فليس إلا لغرض الاستبقاء على شيء من حفظ ماء الوجه، حتى لا يكثر أعداؤه إن تجلّى لهم كيده بعلومهم.
ولا يخطئ القارئ أن عبارته ليست إلاّ إلقاء اتهامات بالجملة، دون تعيين ولا إحالة، ولا إشارة لعيون مسائل تم تناولها. .. وهو من (الإجمال القاتل) للخصم، والذي اتهمني به أيضاً في موضع آخر، لمجرد أن جعبته قد نفذت منها الحجج العلمية، فلم يجد إلا سهام القذف للنيل من شخص خصمه.
والغريب أنه يقول في نهاية كلامه (سبحان الله العظيم) .. وما أشك أن استخدام هذا التسبيح لغير التسبيح الحقيقي، من الآثام التي تستلزم المغفرة من الله تعالى.
(# 77[متابعة الرد على مداخلة # 35]

قال أبو الفداء: 
[يقول متهكما (يقصدني)– هداه الله وأنار بصيرته -: [وربما أنك ستقرأ عليّ قول الله تعالى "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي30)  فتزعم أنه بذلك يترسخ الإيمان مكان الشك، الذي تكون قد زرعت أرضه ورويتها]
مع أنه لو قرأ شيئا من كتابتي حيث أكتب، لعرف أني من أشد الناس عداوة للسفسطة والتشكيك في المسلمات وفي دلالة الأدلة المعتبرة على مدلولها، ومن أحرص الناس على تمييز العلم الصحيح من العلم الزائف، سواء كان علما طبيعيا أو إنسانيا أو غير ذلك! ... فأي تشكيك في "أسباب العلم الصريحة" هذا الذي تنسبني إليه يا أخانا أصلح الله حالي وحالك، لمجرد أن طالبتك بإعادة النظر في قواعد كلية وتأصيلات منهجية قد سلمتَ بها مع أنها لا تقوم عندك على دليل صحيح؟!
أقول:
جدير هنا أن نأتي بسياق الكلام على تمامه حتى تضح الصورة للقارئ.
- قلت في مداخلتي # 12:
آمل ألا يكون النفور من فلسفات الغربيين مانعاً من اعتماد الأسباب المادية التي وظفوها لخدمة إلحادهم
- فاعترض خصمي وقال: (مداخلة #13)
لفظة "الأسباب المادية" لفظة مجملة، .. وأمثال هذه الإجمالات يا أخي الكريم هي مورد كثير من الغلط عند أصحاب أبحاث الإعجاز العلمي.
- فاعترضت في مداخلتي (#14) وقلت:
غير صحيح .. فالكتلة - مثلاً - سبب مادي للتجاذب المادي، وهذا يكفي لمرادي هنا.
- فاعترض خصمي وقال (#15)
كلا لا يكفي، ولو كان يكفي ما وصفت كلامك بالإجمال. نحن جدالنا فلسفي وأصولي صِرف كما ترى، وكلامنا في المجمل يدور حول مشاهدات تأولها أصحاب العلوم الكونية على نحو مرفوض منهجيا لتناوله أحداثا ماورائية محضة (فيما أراه أنا على الأقل)، وأنت ما زلت تتكلم عما تسميه "بالسببية الصريحة"، وتضرب مثالا كلاسيكيا أنت تعلم كما أعلم أن بين منطق الاستدلال فيه والاستدلال فيما نحن بصدده كما بين المشرق والمغرب، وهذا يعرفه من كانت له دراسة في فلسفة العلم الطبيعي!
- فاعترضت أنا وقلت في مداخلتي (#33):
كأنِّي أدافع عن: [أصحاب العلوم الكونية ... (الذين يتخذونها مطية) على نحو مرفوض منهجياً لتناول أحداثا ماورائية محضة]، بحسب قولك. وهذا غير صحيح!!
فأنا أدافع فقط وبجلاء – ما وسعني الجهد - عن السببية الصريحة في الأحداث الكونية، وأن الاحتجاج بها في فهم كلام الله تعالى لا بأس به، بل هو مندوب إليه، بل إن التآزر بينها وبين كلام الله تعالى في فهم هذا الوجود هو السبيل الوحيد للتصور المتكامل، الأشبه بالحق. مثل القاضي الذي يجمع بين نصوص القانون ووقائع الأحداث. وبافتقاره لأي من المصدرين المعرفيين، لا بد أن يقع هذا القاضي المسكين في حيص بيص، لا يدري بما يحكم؟! .. أو علامَ يحكم؟! أما الماورائيات المحضة، فهي خارج نطاق العلم الفيزيقي السببي، ومن يستدل به على نفيها، كمن تُشير أنت إليهم أعلى، فهو مُدلّس، بل كذاب صريح الكذب، لأن العلة السببية المادية المباشرة بينهما منفكة.
...
وبدلاً من أن تمدح تمسكي بالوقائع الحقيقية وأسبابها الصريحة (في سببية الكتلة للتجاذب المادي الذي ترفض ملاءمته لما نحن بصدده)، تحيلني – أو تستدرجني - إلى ما تفوح منه روائح سرابية من مطابخ فلسفة العلم الطبيعي، وتستنكر قبضي على أسباب العلم الصريحة (وسبب كلامي هذا أن استنكاره للمثال الذي أتيت به، ووصفه له بأنه كلاسيكي، لا يعني إلا أن نقيضه غير الكلاسيكي هو المستهدف، وهذا النقيض هو الأمثلة الكمومية الذائغة المعنى، المغمورة في فلسفيات علمية سرابية، وهذا أمر في منتهى الغرابة، لهذا استكملت وقلت:). ... وبما أتوقع منه أن تقول لي في نهاية المطاف الفلسفي: أرأيت الآن أنك لا تقبض إلا عن سرابيات كمومية!! وزمنيات شبحية زائغة!! وكينونات زمكانية مائعة!! – هذا هو مفاهيم العلم عند الطبيعيين، سراب في سراب .... ويتحقق من ذلك التشكيك المُستهدف ... ثم تقول لي عندئذ ... لم يعد لديك إلا (الوحي) تثق فيه ... فُعُد إليه ، وربما أنك ستقرأ عليّ قول الله تعالى "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) ". فتزعم أنه بذلك يترسخ الإيمان مكان الشك، الذي تكون قد زرعت أرضه ورويتها.
هذا هو السياق .. الذي يرفض فيه أبو الفداء مثال سببية الكتلة للجاذبية المادية، ويسميها مثالاُ كلاسيكياً، ولا يفعل ذلك إلا من يطلب نقيض الكلاسيكيات، التي هي سرابيات وشبحيات الميكانيكا الكمومية .. وإذا أتيته بشيء منها، وأنا أعلم عدم صلاحيتها، بل نقضها لصريح السببية لما فيها من لا-يقين في مبدأ هايزنبرج، يكون ذلك شهادة له على لا سببية الفيزياء، ومن ثم، على كون الفيزياء علم مشكوك في قيمته الدلالية على شيء من حقائق الوجود. .. فكأن إصراره على مثال لا-كلاسيكي .. إصرار على مثال لا ينهض للسببية .. ومن كان هذا مبتغاه كان له غرض تحريضي ضد العلم الطبيعي السببي الثابت، الذي لا سبيل إلى إثباته إلا بالأمثلة الكلاسيكية. .. فكان حتماً عليّ أن أقطع علىيه السبيل، وأكشف تنقيبه عن لاكلاسيكيات الفيزياء وما وراءها من نوايا شريرة به، بالتشكيك في دلالية العلم على حقائق واقعية يمكن الاستشهاد بها، حتى في أرجحيات تفسير الآيات الكونية.
وإذا ما تحقق لخصمي ما يطمح إليه .. وكما صرحت به أعلى، لا يكون أمام من يستدرجه إلا أنه لا يقين في العلم الطبيعي، وبما يلزم عنه الرجوع عن خرافات الطبيعيين (عنوان كتابه) إلى يقين الوحي المكنون في معاني الآيات الكونية كما جاءت به كتب التفسير التي حفظ متونها الشيخ أبو الفداء، ولا يرى لها تصحيحاً حتى وإن تذرع بأن المسائل فلسفية الطابع، كما قال في مسألة دوران الأرض التي أنكرها.
ولما رأى أبو الفداء أن الأمر قد انكشف، أدار الدفة إلى اتهامي بتهكم لا معنى له. وأتى بنهاية السياق، دون تفصيله، تلبيساً على القراء، وإظهاراً للبراءة، مادحاً نفسه بأنه (من أحرص الناس على تمييز العلم الصحيح من العلم الزائف) رغم أنها العبارة التي كررتها له مراراً، ورفضها تكراراً تحت زعم أن كل نظرية قامت على أصل فلسفي زائف، وإذا سقط سقطت كل مسائل النظرية، مهما احتوت على مسائل صحيحة في نفسها. فأين الحرص على صالح العلم من فاسده،  وأين ذهب هذا الحرص في رفضه لمسائل السببية الصريحة، وتسميته لها بأنها كلاسيكية. وكأنها مرتبة دون مرتبات أمثلة العلم. ومعلوم أن الكلاسيكي هو المألوف الصريح الذي لاغبار عليه في فهمه واستقامة معناه عند العامة والخاصة على السواء من الناس. ... وأين ما يدعيه مما دار من سياق يشهد ضد تصريحاته على طول الخط؟!
(# 78[متابعة الرد على مداخلة # 35]

قال أبو الفداء: 
إن كان يرجو (الأخ كزابر) الخروج من مناظرتنا هذه بثمرة ما! وطفق يكثر علينا ويؤذينا بمثل قوله:
حتى وإن جاء مغوارٌ من مغاوير فلسفة العلوم - من مدرسة كوبنهاجن؛ مؤيداً لها أو مُتَّكئاً عليها لهدم العلم ، وكلاهما على غير الحق عندي - ليقف أمام الله تعالى ويقول عن هذه الآية الكريمة  "إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ": هذا مثال كلاسيكي ! .. نريد أمثلة كمومية احتمالية زمكانية (عبثية هزلية)!! .. ويظن عندها أنه يقيم حجة على الأسباب وفسادها، وما يفسد في الحقيقة إلا منهجه وسبيله ومآله، ... بخلاف من يُصدّقونه ويقعون فريسه في فبركات صياغاته، أو أسرى في تخييلات علمياته الموهومة !!
ولا أدري ما دخل "تأويل كوبنهاغن" بما حوله من سياق الكلام، ومن هذا الذي سيقف أمام الله ليقول عن هذه الآية التي ساقها في كلامه إنها "مثال كلاسيكي" ومن هذا الذي يظن – بحسبه – أنه يقيم حجة على "الأسباب" (هكذا) وفسادها .، ومن هذا الذي "يفبرك" صياغات ويكتب "تخييلات علمية" موهومة .... ما هذا العبث؟؟ 
تشدقك بعبارات من مثل " وأدواتهم التحليلات الرياضية، والنمذجة المحوسبة، والتنبؤات المنقحة ... " لا ينهض لك بالجواب عما بيناه من خلل في أصولك، ولا يغني عنك شيئا! أنا أهاجم أصولك أنت الفلسفية والكلية التي تتناول بها نظريات العلم الطبيعي، ولا يلزم من ذلك الهجوم نسبة الخلل والفساد إلى مطلق الاستدلال بالرياضيات والمناذج الحاسبية ونحو ذلك، كما تود أنت أن توهم المغفلين والسذج من القراء، فلو كنت تقف على شيء ذي بال (منهجيا) لتركت ذاك التطبيل وتلك النثريات الجوفاء، ولأجبت عن الأسئلة الصريحة التي وجهتها إليك وكررتها المرة بعد المرة، جوابا يليق بمن تصدر للخوص في تلك المضايق
أقول:
إذا لم يكن المثال "كلاسيكي"، باصطلاحات الفيزياء وفلسفتها التي نشأت من أرض الواقع، ولم تنزل من "العقل المجرد" الباهت الغامض المعنى، فهو بالضرورة "كمومي". وليس على الساحة في فلسفة الفيزياء من تفسير كمومي إلا مدرسة كوبنهاجن. فإذا كان صاحبنا يرفض الكلاسيكي الصريح، فهو لاجئ أو متكئ إلى تفسير كوبنهاجن. وإن كان لا يدري أن كلامه يؤدي إلى ذلك، فكيف به ينطق به، ويعُد نفسه من أهل الخبرة بما في اصطلاحات أهل الفيزياء من معاني عليها درجوا!
إن هذا شديد الوضوح في قوله: (ما دخل "تأويل كوبنهاغن" بما حوله من سياق الكلام)، أي أنه لا يدري أن نفي الكلاسيكية عن السببية يؤدي به بالضرورة إلى ما استنكر علاقته بالحوار.
وإذا كان مثال الكتلة والجاذبية كلاسيكي، فلابد وأن يكون معنى الآية "إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ" مستنكر عنده أيضاً، لأن علَّة التَسْمية واحدة، وهي وضوح الصفة وشهادتها على ما استدعاها من حق.
وإن كان صاحبنا لا يدري أن استنكاره للكلاسيكية التجريبية يؤدي به إلى استنكارها أيضاً في الآية، فهذه طامة كبرى.
وإذا كان خصمي ينكر صدق التجريبيات والحواس، فأنى يجدي معه حديث، وكيف لا أثور عليه وأفضح هذا الإنكار بكل ما أوتيت من قوة، وهو ينشر إنكاره هذا على الملأ وله طلاب يحفظون كلامه، ويظن المساكين أنه ينطق بالحق. فإن صدّقوا أن إنكار الحواس والتجريبيات حق! فماذا بقى لهم من عقل علمي إلا ما يوهمهم به من عقل مجرد، لا ينطق إلا بما يمليه عليهم من أقوال فاسدة في العلم بالطبيعيات، وفي وصمه بعار التخريف.
من منا العابث إذاً .. ومن منا الجاني في حق الحق، القرآن وما دل عليه الصدق الذي هو مبثوث في العلوم؟!
وأما اتهامه: (لو كنت تقف على شيء ذي بال (منهجيا) لتركت ذاك التطبيل وتلك النثريات الجوفاء، ولأجبت عن الأسئلة الصريحة التي وجهتها إليك وكررتها المرة بعد المرة، جوابا يليق بمن تصدر للخوص في تلك المضايق)
فهو اتهام هائم عائم غائم! .. أين هي الأسئلة التي لم أجب عنه؟! .. هذا والله افتراء .. إلا أن أكون أجبته ولم يدرك أني أجبته، أو أدرك ولم يفهم اصطلاحاتي كما عهدته، والذي كان كل عمدته الاتهام بالغموض، ثم يتبين أنه لم يكن على علم باصطلاحات الإجابات، ولا حتى لوازم اصطلاحاته هو من اصطلاحات أخرى تابعة، كما في (مسألة كوبنهاجن). ... ومن كان الأصل عنده أنه أعلم أهل الأرض بما تلوكه عباراته والعلوم التي يخوض فيها، فلا بد وأن يرى كل من سواه لا يرقى إلى حاله، فإن نطق غيره بشيء لا يعلمه، فحتماً أن ذلك الشيء إما غموض أو ضلال أو عبث .. والسبب أنه لم يجد ذلك الشيء في قاموسه.
أما تهكمه بـ (أدوات التحليل، والنمذجة المحوسبة، والتنبؤات المنقحة ...) فليس إلا استطراد لتسخيفه بالتجريبيات (الذي يعتبره الأصل المنكر عندي وأشار إليه بقوله: (خلل في أصولك))، .. فإذا كان أصل التجريبيات ودلالتها على الصدق منكر عنده، فكيف بما يخرج من معالجتها بأي وسيلة كانت؟!
مساكين هم أبناؤنا الذين يجلسون للتعلم على أيدي من يُنكر صدق التجريبيات والحواس، ثم ينسب كلامه إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآل بيته الطاهرين وسلف الأمة الذين مدحهم الله تعالى في كتابه، والبرءاء من كل من ينسب نفسه إليهم بلا حق.
(# 79[متابعة الرد على مداخلة # 35]

قال أبو الفداء: 
كذلك قوله (يقصدني):
فلسفة العلوم المعاصرة - أخي الكريم - ليست إلا مرتع بقايا أشباه من أتباع الفلسفات القديمة، الذين يكثرون الكلام ولا يحسنون غيره، .. فبعد أن سحب العلم التجريبي المُنَمْذج رياضياً، البساط من تحت أرجلهم، انكشف منهجُهُم؛ خاوياً عن أي قيمة علمية، .. فلم يجدوا إلا أن يرتادوا موائد العلم المُنتصر، يلتقطون بقايا صحونها، وفتات وسقطات أهلها ... أو هم كمن يلتقطون الكرات الزائعة عن أهدافها وراء المرمى .. أو هم كنقاد مباريات الكرة، الذي إذا حاول أحدهم تسديد كرة واحدة، طاش حذاءه، أو انكسر كاحله، أو ارتطمت قنبلة برأسه فإذا هي الكرة التي أطلقها.
وقوله:
فالأسباب المادية حق، والوقائع الطبيعية البرّاقة والرنانة في عيوننا وآذاننا.
وأقول: هذا التطبيل والتهويل والكلام الإنشائي الأجوف كل أحد يحسنه، ولا يفيده في شيء، ولا يكشف إلا عن فقره وفصوره في الإحاطة بما رفع عقيرته بنقده! لأنه يصر على أن من خالفه في مذهبه الفلسفي الطبيعي فقد هدم العلم كله جملة واحدة ولابد! وهو مذهب يرتكن فيه إلى مطلق جريان القبول العام بين الأكاديميين لنظرية من النظريات الفيزيائية أو الكونية حتى يعدها من الحقائق القطعية المنتهية، وحتى يخلع على تجاربها ومشاهداتها صفة القطع اليقيني والسببية المحققة والعلم التام .... إلى آخر عباراته الرنانة التي كشفنا للقارئ بحول الله وقوته أنها لا تنطوي إلا على الإجمال والاشتباه (وقد تبين لي أنه حتى لا يدري ما معنى المصطلح "إجمال" كما يجري استعماله بين أهل العلم والنظر!)، ولو أنه درس أو تأمل لأدرك أن مذهبه الفلسفي (وأكرر: الفلسفي!) فيه من التناقض والاختلاط ما فيه! وقد قررت من قبل أني لا أنكر مطلق دلالة الأسباب المادية وإفادتها العلم (على تفاوت في درجات الظن والقطع)، ولا يمكن أن ينكرها عاقل، ولكن ما طبيعة تلك الدلالة وما درجتها ومتى توصف تلك الدلالة بأنها علم قطعي منتهي؟ أسئلة لا يعبأ بالنظر في جوابها، ودراسة ما تكلم به المتخصصون فيها، ويصر على إجمال الكلام فيما يصفه بالأسباب المادية والوقائع الطبيعية والحقائق البراقة ونحو ذلك من خطابيات رنانة، فإن نوقش في تفصيل ذلك عنده استنكف وقال "رائحة الفلسفة" وعبث المتفلسفة وغير ذلك من تشدق لا وزن له
أقول:
أقول: كل هذا الكلام لا وزن له! ..  خاصةً ما كان سباً وتشخيصاً. ... إلا قوله:
[قررت من قبل أني لا أنكر مطلق دلالة الأسباب المادية وإفادتها العلم (على تفاوت في درجات الظن والقطع)، ولا يمكن أن ينكرها عاقل، ولكن ما طبيعة تلك الدلالة وما درجتها ومتى توصف تلك الدلالة بأنها علم قطعي منتهي؟ أسئلة لا يعبأ بالنظر في جوابها، ودراسة ما تكلم به المتخصصون فيها]
وفيه يقر بـ (دلالة الأسباب المادية وإفادتها العلم)
ولكنه يحتج بـ (ما طبيعة تلك الدلالة وما درجتها ومتى توصف تلك الدلالة بأنها علم قطعي منتهي؟ أسئلة لا يعبأ بالنظر في جوابها، ودراسة ما تكلم به المتخصصون فيها)
ويتهمني وكأني لم أتكلم عن تنقيح دلالة الأسباب، ولم أذكر تحليلها بأدواتها. .. ومنها أدوات التحليل التي سخر من ذكري لها قبل مداخلة واحدة أعلى. إنه يحتج بصعوبة الارتكان إلى تلك الدلالات ليغلق الباب في وجهها. لا أنه يسعى، أو على الأقل لا يمانع، في معالجتها بما تستحقه. إنه يرى أنها لن ترتقي إلى (علم قطعي منتهي)
ومثله في تعطيل العلم الطبيعي وفهم القرآن بما تيقن منه، مثل من يريد تعطيل القرآن من العلمانيين، فيقول - مُضطرا – أن الكلام دليل للمعنى، ولكن (ما طبيعة تلك الدلالة وما درجتها ومتى توصف تلك الدلالة بأنها علم قطعي منتهي؟) .. أي أنه يحتج باستحالة معرفة الدلالة المقطوع بها احتجاجاً باشكالات فلسفية في علم الدلالة!!! .. وغرض العلماني من ذلك ... قطع السبيل على إفادة القرآن لمعاني قابلة للتطبيق!!! .. ويفعل صديقنا مثله .. ولكن مع العلوم الطبيعية. 
هذه هي الحيلة، يفتح الباب للناس، ويكتب عليه: ممنوع دخول من حمل ذنباً. ويقول: (لم أمنع أحداً من الدخول)!!!
وكذلك، صديقنا يقول (مداخلة #32): (أنا أعتقد العصمة في إجماع السلف لا في آحاد أقوالهم، وهذا منهج أهل السنة والجماعة لا أحيد عنه طرفة عين)
فإن رأى يقينا في تجربة علمية مهما دلت عليها دلائل اليقين – من تلك التي أوهم القارئ أنه لا مانع من دراستها- فلن يقبلها. وسيقول فيها كما قال من قبل (#32): (الدليل التجريبي (إن سلمنا بكونه قطعيا لا مطعن عليه ولا احتمال لسقوطه) إما أن يأتي بموافقة قول من أقوال المفسرين، أو بمخالفة قول من أقوالهم. فإن جاء بمخالفته، فيقينا لن تجده هو القول الوحيد المأثور في تأويل النص (يهرب من يقين الدليل حتى لو وجده!! .. كالذين يلفقون الحيل في الرُخّصْ)، لأن الأمة لا تجمع على ضلالة في فهم نصوص الوحي.) وهو استشهاد باطل، لأنه هذا ليس بإجماع، بل أقوال مختلف فيها. وتسميتها إجماع خداع للناس في دينهم.
أي أن مبدأه الحقيقي هو لا يقين أبداً في الدليل التجريبي، إذا خالف أقوال السلف. مهما دلت عليه الدلائل. ومنه دوران الأرض. .. وسيحتج عندئذ بمثل ما احتج به .. من أنها مسألة فلسفية .. أو ما ذكره أعلى وقال فيه: (ما طبيعة تلك الدلالة وما درجتها ومتى توصف تلك الدلالة بأنها علم قطعي منتهي؟) وهو كلام تمويهي غرضه صرف النظر عن الحق في التجربة، لأنه قد حزم أمره من قبل بأنه باطل - إذا خالف أقوال السلف - مهما ظهر من دلائل تأييده. (وإذا ظهر دليل يقيني سيجد له المخرج لتضعيفه)!!!
أوليس هذا هو باب العلم الذي فتحه ومنع منه المرور إلا ما وافق قول السلف في أمور لم يعلموا بها بالضرورة، بخبر أو خبرة؟! ... فكيف يزعم ويقول: (قررت من قبل أني لا أنكر مطلق دلالة الأسباب المادية وإفادتها العلم) وهو يضع على قوله هذا قيدا يجهضه، ويفرغه من معناه؟!!! 
مَن مِنا الذي يماري إذاً، ويخدع الناس باحترامه لما يتيقن من العلم؟!!... ثم يلقيه جميعاً وراء ظهره إلا أن يوافق دوجمائيته – زاعماً أن هذه الدوجمائية من الدين، وما هي إلا قول صحيح في عمومه في العقائد والعبادات، غير أن الأدلة المستفيضة قد دلت على بطلانه في عدد من المسائل الطبيعية خاصة، المرتبطة بالحضارة والثقافة ، ... وما كان التملص من مسألة دوران الأرض إلا راية ناصعة على الهروب من الاعتراف الأليم الذي تنخرم به هذه الدوجمائية. ... ولم يكن له من مخرج منها إلا التحجج بالفلسفة (العلمية - تجملاً)، التي أصبحت الآن جميلة ... الآن أصبح للفلسفة دوراً بعد نبذها طوال القرون ...
ماذا نقول؟! .. ... ليس لنا إلا أن نقول: 


اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك الذي أنزلته طاهراً ناصعاً غير مدخول... آمين.
(# 80[متابعة الرد على مداخلة # 35]

قال أبو الفداء: 
من سفسطة الفلاسفة عنده – مثلا - أن نرميه بالابتداع في تأويل الاستواء بمثل قوله:
[وكذلك قول الله تعالى "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ"
ففي كل مرحلة من مراحل الخلق يستتب للخالق الأمر على ما قدّر وخلق، دون أن يلزم عن ذلك ضرورة أن تنصرم الأيام الستة جميعاً حتى يستتب الأمر وراءها جميعا.
مع ملاحظة أن السموات تتغير أبعادها وأحوالها عبر الأيام الستة، ولأن العرش يحيط بها، فلا غرابة أن يكون استواء الله تعالى على العرش (الذي يعلو محتوى كوني متنامي ومتتابع) يعني استتباب الأمر للخالق مع كل مرحلة تجري في عمق هذا العرش العظيم من أجرام وسموات.] 
فلأنه حريص على فتح باب الاستدلال بالمحسوس والمشاهد من الأسباب على أحداث خلق السماوات والأرض ونظامها السببي نفسه، لم يعبأ بتحميل معنى "ثم" هنا ما لا يحتمله ولم يسبقه إليه أحد في فهم هذا النص! ولو أنه درس العقيدة دراسة صحيحة لأدرك أنه سلك مسالك المتكلمين المعوجة (نوعا) في تأويل صفة من صفات الله تأويلا جديدا (وهذا هو مفهوم البدعة في الصفات)، حتى يصل إلى تمرير معتقد قد تبناه في نشأة السماوات والأرض من طريق النظر الطبيعي في قضية هي من الغيب المحض أصلا، تماما كما كان غرض المتكلمين الأوائل فيما أحدثوه من تأويلات أن ينصروا مذهبا فلسفيا اعتنقوه في حق ربهم واستماتوا في الانتصار له!!
....
والظاهر أن الأخ تحرج من صنيعه في مسألة الاستواء، فقال:
[آمل الانتباه إلى أني أشرح بالمثال فقط معنى (ثم) في الآية، ولا أتأول استواء الله تعالى على العرش] ... حتى لا يخطئ أي من القراء ويظن ذلك. أو يتصيد الباحثون عن أي زلات ما يظنون أنهم قد عثروا عليه... فلينتبهوا
ولو كنت أصبر على مواصلة هذا الجدال لسألته: "ما معنى تأول الصفة في أصولك (إن كانت لك أصول) وكيف جزمت بأن صنيعك هذا ليس يدخل فيما يعد عند العلماء من تأويل الصفات؟"، ولما توقعت إلا أن يأتيني بالمزيد مما أعياني به من المراوغة والتطبيل كما مر معك مثاله، والله المستعان!
أقول:
لا تتعلق هذه المسأل إلا بمعنى (ثُمَّ) .. ولم تستهدف أبداً تأويل أي صفة لله سبحانه، تعالى وتجلى في عليائه. وأي محاولة لتزوير مراد المتكلِّم فهو افتراء مفضوح، .. وغرضه ليس إلا مثيل لما سبق بيانه من إساءة شخصية، غرضها النيل من وجاهة كلامي، والتنقيب عن أو تلفيق أي اتهامات في السبيل إلى ذلك، .. فإن فعل - بظنه - تسقط حجتي ضده .. فيبرأ كلامه .. وما هو ببريء، لأن فساده في محتواه.
ولبيان معنى الاقتباس الوارد أعلى يحسن أن أستحضر كامل السياق، حتى يستبين القارئ، ويقف على معنى العبارة ووجاهتها، ومدى ما وقع فيه الخصم من تزويرات مُغرضة.
- قال خصمي (في مداخلة # 9):
إن خلق السماوات والأرض من القضايا المغيبة تغييبا مطلقا، بدلالة العقل والنقل جميعا. فأما العقل فلأن أحداث خلق السماوات والأرض لا يمكن أن تكون من جنس ما نراه ونشهده في عالمنا هذا من أحداث، فلا يصح أن تستعمل الطريقة الطبيعية Scientific Method للوصول إلى معرفة شيء من تلك الأحداث ..
وأما من جهة النقل فالله تعالى يقول: "مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً"(الكهف:51)، فلو كان من الجائز عقلا أن يوصل إلى معرفة شيء من أحداث خلق السماوات والأرض من طريق المشاهدة المباشرة أو غير المباشرة، لما صح هذا النص على ما فيه من عموم المعنى!
- فاعترضت عليه وقلت (مداخلة #10):
أحداث خلق السماوات والأرض لها سنن يمكن العلم بها، ولو لم يكن الأمر كذلك لما قال تعالى " قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ "
(ومن جهة النقل): أن الشهادة غير الاستدلال. وما نفته الآية كان الشهادة، ونفي الشهادة نفي قيمة رأي المُستشْهَد وإقراره من عدم إقراره، وذلك لا يشمل بالضرورة نفي قدرته على الاستدلال، ولو كان النفي في آية (الكهف:51) للاستدلال، لسقط معنى " قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ " الذي يؤيد قيمة الاستدلال الإنساني على معرفة كيف بدأ الخلق.
- فاعترض خصمي (مداخلة #13) وقال:
(أنا) أرسم حدا ميتافزيقيا صارما لذلك الاطراد (السببي الطبيعي)، لا ينبغي أن يجاوزه عندي بحال من الأحوال، ولا يبدو لي أنك تقول به، ألا وهو نقطة ما بعد أيام الخلق الستة مباشرة في تاريخ الكون، بعد الاستواء على العرش، الذي كان إيذانا بتمام الخلق والتقدير وإعمال نواميس الكون كلها على صورة لا نملك مانعا معرفيا من التوصل إلى معرفتها (ظنيا) من طريق الحس والمشاهدة، لأن القياس إذن يكون مستساغا وإن كان التعويل عليه ضعيفا من جهة الاحتمال لبعد الاطراد كما قررت أنت. يعني أبعد نقطة يمكن أن يوصل إليها بالاطراد القياسي المادي في جهة الماضي (على ضعفه الشديد عندها)، هي آخر نقطة في أحداث خلق السماوات والأرض، قد ابتدأ من بعدها تشغيلهما بأمر الله تعالى على وجه التمام.
...
وهو ما يعني - وتأمل رجاءً - امتناع النظر في ترتيب أيام الخلق التي جاء بها النص، باستعمال الاطراد أو التنظير الفيزيائي أو أي طريقة من طرائق العلم الطبيعي. وعليه فلا يستساغ أن ننظر في ترتيب أيام الخلق تبعا لمعطيات العلم التجريبي، لأنه لا ينبغي أن يكون له دخول فيها أصلا! بل لو اكتفينا بما قررته أنت من سبب رفضك نموذج الانفجار الكبير، للزمك الامتناع عن هذا المسلك في تناول نصوص الوحي فيما يتعلق بأيام الخلق، لأنه إذن يكون اطرادا بعيدا للغاية! فكيف ترفض فردية الانفجار لقيامها عليه، ثم تستعمله هو نفسه في إعادة تأويل نصوص الخلق؟ أليس هذا من التناقض؟
- فاعترضت في (مداخلة #14)، وقلت:
ما وصلت إليه أنا بتحليلاتي التي أشرت إلى روابطها يذهب بما تقوله هنا أدراج الرياح
وخلاصته:أننا في هذه الأثناء، ما زلنا في اللحظات الأخيرة من اليوم السادس!
نعم أخي العزيز .. الأيام الستة ما زالت تنصرم حتى اللحظة. ولهذا الأمر متابعة لو رغبت أنت. ويمكنك أن تجد تفصيل ذلك فيما وراء هذه الرابطة )
وبافتراض صحة استدلالاتي أننا ما زلنا في اليوم السادس، يسقط استنتاجك الأتي بأني متناقض. .. ويصبح كلامي متسقا.
- فاعترض خصمي (في مداخلة # 15) وقال:
هذا الكلام مصادم للنص الصريح! والله تعالى يقول في محكم التنزيل: "إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ"(الأعراف:54) وقد رأيت لك تأويلا متعسفا لمدلول التعقيب "ثم" في نحو هذا السياق ترجو به دعم نظريتك المصادمة لما انعقد عليه إجماع المسلمين في فهم كلام ربهم في هذه المسألة! فكأنك حتى تقبل ما تريد قبوله من نظريات الكونيين والفيزيائيين، لم تجد لنفسك مخرجا إلا سلوك ما لم يسبقك إليه أحد من المسالك في تأويل محكمات النص المنزل، فإن سألوك قلت كما تقول الآن "قد صرح القرءان بوجود المتشابه، والتشابه لا يعني التجهيل"! ...
قولك هذا:
أننا في هذه الأثناء، ما زلنا في اللحظات الأخيرة من اليوم السادس
الذي أطلقته حتى تفتح به بابا لمطلق الاستعانة بالتنظير الطبيعي في تتبع أصل الكون،
يلزم منه أن الله لم يستو على العرش إلى الآن لأن اليوم السادس لما ينصرم بعد، فتأمل يرحمك الله!
وحتى وإن لم يصح هذا الإلزام، فاسمح لي أن أقرر من البداية (وحتى لا يتشعب بنا الجدال بعيدا، وأجدني أكرر مناقشتك فيما جادلك فيه غيري من قبل بلا ثمرة) أن مسألة انتهاء أيام الخلق الستة وتمامها بالاستواء على العرش (قبل زمان سحيق) هي عندي محل إجماع وقطع لا أقبل فيه جدالا ولا مناظرة، ..
- فاعترضت عليه في (مداخلة #33) وقلت:
لا يا أخي العزيز، استدلالك غير صحيح، وآتيك هنا بإلماحة يسيرة ..
ما رأيك بهذه العبارة: [انبعث المسلمون يفتحون الأرض في مائة سنة، ثم استتب لهم الأمر
هل تضطرنا (ثم) هنا، لفهم العبارة على أن الأمر لم يستتب لهم إلا بعد مائة عام؟! .... بالطبع لا، ففي كل مرحلة من مراحل الفتح الإسلامي يستتب الأمر فيها، فيما يُنجز منها، وينتقلوا لما وراءها.وكذلك قول الله تعالى  "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ"
ففي كل مرحلة من مراحل الخلق يستتب للخالق الأمر على ما قدّر وخلق، دون أن يلزم عن ذلك ضرورة أن تنصرم الأيام الستة جميعا حتى يستتب الأمر وراءها جميعا.مع ملاحظة أن السموات تتغير أبعادها وأحوالها عبر الأيام الستة، ولأن العرش يحيط بها، فلا غرابة أن يكون استواء الله تعالى على العرش (الذي يعلو محتوى كوني متنامي ومتتابع) يعني استتاب الأمر للخالق - جل وعلا - مع كل مرحلة تجري في عمق هذا العرش العظيم من أجرام وسمواتآمل أن يكون المعنى قد اتضح، ويكون اعتراضك قد انفكت عُراه، ولا داعي لقول (ذهب أدراج الرياح) (ابتسامة)]
آمل الانتباه إلى أني أشرح بالمثال فقط معنى (ثم) في الآية، ولا أتأول استواء الله تعالى على العرش ... حتى لا يخطئ أي من القراء ويظن ذلك، أو يتصيد الباحثون عن أي زلات ما يظنون أنهم قد عثروا عليه... فلينتبهوا.
 وهذه الفقرات الأخيرة هي التي يثيرها خصمي فيما أناقشه هنا.
وبمراجعة كامل السياق يتضح أني أظهر أن معنى (ثُمَّ) في قوله تعالى "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" متطاول مع الزمن، وهو معنى لم ينتبه إليه المفسرون. وقد رفضه خصمي بالطبع هذا التفسير الجديد، لأن أصوله الدوجمائية عمدتها أنه لا مراجعة لما جاء في كتب التفسير لأنها مُقَدَّسة، وما يفارقها في المعنى، فهو حتماً باطل، مهما أتى صاحب التفسير الجديد بأدلة، ولن تصح الأدلة حتى لو صحت. لأن القياس دوجمائي. أي يرى فقط معتقده، ولا يبحث عن دليل.
والمدقق في المسألة لا يرى خصمي يُعلق على بيت القصيد في المسألة من قريب أو بعيد، أي المثال الذي أثبتُّ له فيه صلاحية التطاول الزمني في معنى (ثُمَّ) (أقصد قولي:[انبعث المسلمون يفتحون الأرض في مائة سنة، ثم استتب لهم الأمر] ).. وهو دليل عليه أنه قَصُرَت حُجَّته عن معارضته .. وبدلاً من ذلك ... وهو لب المسألة، راح يبحث عن زَلَّة، فلمّا لم يجد .. لجأ إلى فبركة اتهام، بأني أتأول صفة من صفات الله تعالى، أي (الاستواء) في قول الله تعالى ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) .. رغم بياني الصريح أني بعيد عن هذه المسألة .. لعلمي حساسية هذا الأمر، .. ولعلمي أن حدود الفهم لدى بعض القراء قد تأخذ قاصري النظر إلى هذا المنحنى، فنبهت عليه .. ورغم ذلك .. لم يجد خصمي من سبيل إلا أن يقع فيما حذرت منه. .. ولم يكن هذا حرجاً تحرجته كما زعم أيضاً.. بل بياناً بينته ... غير أن بياني لم يصب محلاً واعياً من خصمي .. ووقع في شراك نواياه .. بأنه يبحث عن زلة يتشبث بها بعدما لم يجد إلى محل النزاع مدخلاً يقول فيه ما ينقض كلامي.
- وأما ما بدأ به خصمي عبارته في قوله: (من سفسطة الفلاسفة عنده – مثلا - أن نرميه بالابتداع في تأويل الاستواء ..)
فيا ليت أنه كان سفسطة فلاسفة، .. إنه كان أدنى من ذلك بكثر .. إنه افتراء محض. ناهيك عن التهرب من محل النزاع في المسألة التي استهدفَتْها العبارة الـمُقتبسة، أقصد معنى (ثُمَّ) في قوله تعالى "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" بعد أن عيّ خصمي عن منازلتي في حجتي التي أتيت بها ولم يستطع دحضها، فلجأ إلى أي إثارة تشويشية، بل حتى أنه لم يجد أي تشويش محتمل! .. فلجأ إلى الافتراء عليَّ بالبدعة في تأويل صفة من صفات الله تعالى. 
 وأما عن السب والاستنقاص (الـمُؤشَّر تحت بخطوط)... فقد أصبح معهود من خصمي .. وأترفع عن الرد عليه .. مثلما فعلت من قبل.
(# 81[متابعة الرد على مداخلة # 35]

قال أبو الفداء: 
بيّنت له مرارا وتكرارا أن أحداث الأيام الستة غيبية مطلقة التغييب، وكررت حجتي العقلية في إثبات غيبيتها وانفكاكها الواجب عن الأسباب المحسوسة المشاهدة طبيعيا، فلم يلتفت ولم يتكلف الرد، إلا قوله:
أن العلية الفيزيائية المطردة تتطال كل ذرة مادية في جرم الأرض (كالأكسجين الذي يجري في دمائنا) ، وما سواها من كل أنواع الذرات الباريونية - ومنذ لحظات تخلقها في قلوب النجوم المتتابعة، وقبل أن يوجد كوكب الأرض، والذي لم يكن له أن يتكون جرمه المُشاهد إلا من تلك الذرات. أي أن لحظة تخلق ذرة الأكسجين – على سبيل المثال - كان قبل تخلُّق الأرض، أي أنها لحظة في عمق أيام الخلق، (تذكر أن الأرض وأقواتها تطلبت أربعة أيام من الخلق)، ومع ذلك تتحكم في ذرة الأكسجين الأولى التي خلقت في عمق أيام الخلق الستة - وما وراءها وغيرها من ذرات - نفس القوانين التي نعلمها الآن (والناتجة عن التنظير الفيزيائي المحقق معملياً)... ألا يفند ذلك كلامك السابق، من امتناع تفصيل ما جاء في أيام الخلق بالاطراد والتنظير الفيزيائي؟! 
وأقول: كلا لا يفند شيئا! وإنما هو تحرير لمعتقدك أنت لا أكثر! ليس في كلامك هذا ما ينصر قولك بخضوع أحداث الخلق في الأيام الستة لنفس القوانين التي نعلمها الآن!! أنت تستدل بمحل النزاع يا أخانا! أما أنا فقد بينت حجتي العقلية على امتناع ذلك فيما تقدم من مداخلات ولن أكرر
أقول:
حول قوله (بينت له مرارا وتكرارا أن أحداث الأيام الستة غيبية مطلقة التغييب، وكررت حجتي العقلية في إثبات غيبيتها وانفكاكها الواجب عن الأسباب المحسوسة المشاهدة طبيعيا، فلم يلتفت ولم يتكلف الرد)
القول بأن حدثاً ما مما أعلمنا الله تعالى به غيب مطلق أو نسبي أو ليس بغيب، لا يقوم على المصادرة أو التحكم، ولا على أي حجة عقلية مما سماه خصمي (العقل المجرد). .. بل يجب أن يقوم فقط على خبر (أي نقل) عن الله تعالى، في كتابه أو سنة نبيه، أو ما يلزم عن ذلك لزوماً ضرورياً. وليس في كتاب الله شيء يقول أن أحداث الخلق في أيامه السنة من الغيب المطلق. بل على العكس من ذلك، جاء النص صريحاً في قوله تعالى "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ"(العنكبوت:20). ولا سبيل إلى صرف المعنى عن أن الخلق هنا هو خلق السموات والأرض، وقد أيدت هذا الكلام برأي "مقاتل" وهو من التابعين، أي من السلف، حتى يطمئن خصمي إلى من يثق بكلامهم، ولكنه أبَى .. والسبب أن هذا المعنى لا يستقيم مع منظومته الفكرية، حتى ولو قاله السلف، وليس لأنه باطل.
أما قوله: (حجتي العقلية .. (بـ) انفكاكها – أي خلق السموات والأرض- الواجب عن الأسباب المحسوسة المشاهدة طبيعيا) فلا أصل له، ولا موجب له. ولو كان ذلك كذلك، لأتى خصمي بما يعضد كلامه .. وليس عنده شيء، إلا محض القول بـ (حجة عقلية) .. وليس هناك من حُجة .. ولا يستقل العقل نفسه بحجة هائمة .. إلا أن يكون خبر أو خبرة. فإذا انتفيا .. انتفت الحجة الموهومة بأنها عقلية.
وأما قوله: (بينت له مرارا وتكرارا أن أحداث الأيام الستة غيبية مطلقة التغييب ... فلم يلتفت ولم يتكلف الرد إلا قوله ..) .. فغير صحيح .. فقد أتيته بنفس الآية "(العنكبوت:20)، وأتيته برأي "مقاتل"، فرفضه، وقال لن يسعفك رأي مقاتل .. رغم أنه هو الذي طلب رأي واحد من السلف يؤيد كلامي .. فلما أتيته به .. أبى أن يقبله .. وأوَّل كلامه على الفهم العامي .. وقصر معنى الآية على ما يخلقه الله تعالى من النبات وفي بطون الأمهات .. وكأن هذا هو الخلق المقصود في الآية ليس إلا .. رغم أن الفعل في الآية جاء على الماضي، (كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) .. على غير المعنى الذي زعم أنه هو المقصود من خلق النبات والأجنة في البطون والذي يلائمه (كيف يبدئ الله الخلق) أو (كيف يخلق). والذي ربما يلائمه قول الله تعالى "أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ "(العنكبوت:19) .. والجدير بالملاحظة أن الآيتين متتابعتين. وإذا قرأناهما: [أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)] لتبين أن تأويل الآية الثانية بمعنى دوام خلق النبات والأجنة في بطون الأمهات يعني أن الآيتان منطبقتان في المعنى على الاستمرار، وأحدهما تغني عن الأخرى ، رغم أن أحدهما على الاستمرار (الفعل المضارع) والثانية على الماضي. فكيف تُؤول الثانية على معنى الأولى، فتكون الآيتان بمعنى واحد؟! .. هذه مغالطة تفسيرية إضافة لكونها مغالطة لُغوية في معاني الأفعال (الماضي والمضارع)، في سياق لا يتحمل ذلك!.. وتحميل لمعنى الآية الثانية على غير المراد منها .. وفقط لأن المفسر لا يرى لها محلاً في دوجمائيته التفسيرية .. وليته يكتفي بفهمه المدحوض لنفسه، بل يعارض به، ويُخطِّئ غيره، لأنه لا يعلم بما استجد من معارف نتيجة النظر في الخلق كما أمر الله في نفس الآية (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ... فحَجَر معنى الآية مرتين: .. مرة بتغيير معنى أمر الله تعالى بالسير وما يتبعه من نظر واكتساب معرفة لم تكن معلومة .. ومرة بأن الخلق هو الخلق الجاري على الاستمرار. وهي حيدة عن صحة التفسير لا ينبغي قبولها، وخاصة أن حُجة الخصم ليست إلاّ (العقل)!!! .. رغم أنه سلفي، وعمدة السلفيين هو (النقل) وليس (العقل) .. وإذا انقطع النقل عن إفادة المعنى، وجب الصمت. أما من يلجأ إلى العقل بلا نقل ولا معاينة الواقع فهو المتفلسف. وشتان ما بين السلفي والمتفلسف في أدبيات أهل السنة والجماعة على العموم، والسلفية على الخصوص. .. فكيف اجتمعا هنا .. فهذا من أعجب ما نراه من عدد من السلفيين المعاصرين!!!
ونأتي الآن للحُجَّة التي أتيته بها، وما قاله بعدها: (أنت تستدل بمحل النزاع يا أخانا!)
وأسأله: ما هو محل النزاع الذي أستدلت أنا به؟!
وأقول: هناك محل للنزاع، وهناك استدلال يؤدي إلى تفكيك محل النزاع وإقامة الحجة على الخصم.
محل النزاع هنا هو ذلك الحد الفاصل – الميتافيزيقي كما سماه خصمي - والذي وضعه بين خلق ميتافيزيقي للسموات والأرض حتى نهاية اليوم السادس، .. وبداية عمل قوانين الكون الفيزيائية عقب نهاية اليوم السادس من الخلق، والذي قلت أنا فيه أنه ليس إلا حداً موهوماً، لا دليل عليه.
ودليلي عليه أني أتيت بظواهر لابد حتماً وأن تكون قد وقعت في عمق الأيام الستة (تراجع مقالتي أعلى)، ومع ذلك، نراها تحدث أمام أعيننا، بل وبأيدينا في المعامل إذا شئنا. فمن أين جاء ذلك الحد الميتافيزيقي الذي يجعل عمل القوانين الطبيعية عاملة فقط بعده وليس قبله؟! ... لم يأت صديقي بما يخرجه من هذا المأزق! .. ولم تكن إجابته إلا رفضاً غير مبرر .. هكذا والسلام .. والاحتجاج بأن حجتي استدلال بمحل النزاع!! ...
وإذا بحثنا عن محل النزاع عنده لوجدناه مختلف ... إنه لا يرى أن الاستشهاد بوقائع فيزيائية جائز من حيث المبدأ، لأنه لا يعرف ما يميز اليقين من الراجح من المرجوح فيها. أي أنه بعيد عن القدرة عن الحكم في هذا المسائل، وبدلاً من التوقف والاعتراف بعدم درايته بمدى حجيتها، ومن ثَمَّ تشكيكه فيها، فإذ به يقطع بانتفاء حجيتها، وأن حجيتها عنده هي محل النزاع .. .. وهكذا أكون في حسبانه إذا استشهدت بها أكون مستشهداً بمحل النزاع!! ... مثلما يقول الأعمى أنه لا يعترف بأن الشمس هي مصدر النور الأرضي، فإذا احتج خصمه بأن توابع النور الآتي من الشمس كذا وكذا وهذا محقق .. يقول له أن تستشهد بمحل النزاع .. بدلاً من الاعتراف بأنه لا يرى نور الشمس !!
وفي نزاعه وإنكاره بكون التجريبيات الصريحة، وبقدرها، حُجة، .. فإنه يرى أني ملزم إلاَّ أنْ أثبت أنها حجة، لا أن أحتج بها .. فأقول له: وهل بغير الحواس تُدرك الأشياء؟! .. وأي شيء أدل من الحواس حتى أستشهد بها على صدق الحواس مع تحقيقها وخلوها من الزيغ؟! .. (الغريب كل الغرابة أن الأثبت من الحواس عنده هو العقل .. بل العقل المجرد ..) من أين أتى بمثل هذا الاحتجاج الغامض؟! .. لا أدري . .. بل ولا يدري هو!! ... إنه محض جدل .. يتشبه باصطلاحات العلماء .. ليمرر دوجمائيته التي خلاصتها ... أن لسان حاله يقول: [لن أدع شيء مما جمعناه من قول السلف في كتبنا مهما كانت النتائج .. وسنقول أن السلف هم مصدر هذه الأقوال .. ومن يستبدل منها شيء حتى ولو في تصور الطبيعيات .. فهو متهم السلف بالتجهيل .. وتقوم عليه حجتنا] .. والحقيقة .. أنه يحمي حصيلته العلمية .. ويغلق عليها بالضبّة والمفتاح .. ويختمها بختم التقديس.. ولا علاقة للسلف باحتجاجه هذا من قريب أو بعيد. ولو علموا ما كشفه الله تعالى للناس من معارف، لرجعوا عما تبين لهم خطؤهم فيه. ... فماذا يكون موقف من احتج بعصمتهم، .. وهم لم يدَّعوا لأنفسهم عصمة في أمور الطبيعة والخلق؟!!!
وأقول: من يرى أن الحواس والتجريبيات تتطلب حجة على صدقها، فإنه لا يبحث عن حق، .. بل يبحث عن تمييع المعاني، والتعلق بما سماه (حُجة عقلية) في قوله: (أما أنا فقد بينت حجتي العقلية على امتناع ذلك فيما تقدم من مداخلات ولن أكرر)، ويقصد بامتناع ذلك إمتناع (خضوع أحداث الخلق في الأيام الستة لنفس القوانين التي نعلمها الآن). .. أي أن آلة الاحتجاج عنده هي الحجة العقلية .. وعلى ماذا قامت؟! .. قامت على امتناع ذلك! .. ولماذا قامت على امتناع ذلك؟! .. لأنه فهم من قول الله تعالى "ثم استوى على العرش" أنه حدث مضى وانتهى... ولما أتيته بمثال لغوي على أن ضرورية المعنى الذي فهمه غير لازم عن الآية ..لم يستطع رده .. وترك محل النزاع .. مثلما تركه من قبل في مسألة حركة الأرض احتجاجاً بفلسفية المسألة .. وذهب يتهمني بأني أتأول صفة الاستواء، وأني أتيت ببدعة !! .. يرد على فساد حجته .. ببهتان! .. فيكون إثماً على إثمٍ!!
وإذا أتينا لدليلي الذي سقته في مسألتنا أعلى، وهي أن أحداث خلق الأرض، والتي أخبرنا الله تعالى أنها تطلبت أربعة أيام من أيام الخلق الستة، وأثبتُّ له أنها أحداث طبيعية، حسب ذكرها في القرآن، وبما يتفق مع ما نرى مثلها بأم أعيننا الآن، سواء منها على أرضنا، أو في أجرام أخرى في أطوار متتابعة من التشكل ... إذا أتيته بهذه المرصودات، والتجريبيات والخبرات التي يستطيع كل باحث أن يقف على صدقها إذا رغب .. أبى .. دون أي احتجاج يفندها .. وكل حجته أنه حسم أمره، وقطع بأن هناك حدّاَ ميتافيزيقيا في نهاية اليوم السادس من أيام الخلق! ... ومهما كانت نتيجة ذلك من انقسام الزمن عنده إلى عالم ميتافيزيقي قبل ذلك الخط الزمني، وإلى عالم فيزيقي بعده. ... وهي كارثة تأويلية يماهي بها صنع الله بصنع الإنسان؛ وكأنه يرى الله تعالى يعالج الخلق كما يعالج أحدنا مريضاً على فراشه!!! .. هذا بخلاف أنه حدٌ ما أنزل الله به من سلطان .. وليت أن تنظيره ترجيحي، بل هو محض تحكّم .. لا يقبل حتى مناقشته ولا طرحه للتداول .. أي أنه عنده جزء من الدين .. وليس موضوعاً بحثيا .. ومن لا يقبله .. فعليه من الآثام والاتهام بالبدعة ما عليه ... !! .. ولتبقى كتب التفسير محفوظة مكنونة .. والويل لمن يقول أن بها أخطاءاً تأويلية في الطبيعيات يجب تنزيه معاني القرآن عنها .. ولتُقَدّس كتب البشر .. مهما كانت النتائج، وليتبعها كتاب الله في معانيه .. مهما كانت النتائج .. وفي ماذا؟ ..  في حق دين الله الذي داننا به!!! ... أللهم إني أبرأ إليك من فعل من يُقدِّم كتب البشر التي لا دليل عليها على كتابك، وكلامه على كلامك  ... ويطرح براهينك التي سقتها إلينا في خلقك .. وأقمت بها حجة على معاني كلامك .. سبحانك .. لا إله إلا أنت .. لك الأمر من قبل ومن بعد. ... أللهم قد بلغت . أللهم فاشهد.
(# 82[متابعة الرد على مداخلة # 35]

قال أبو الفداء: 
وإليك أيها القارئ المحترم مثال جلي يمكنك إن شئت أن تعلمه لطلبتك في الجامعات، من أمثلة الاستدلال بمحل النزاع، إذ يقول (يقصدني):
ثم يؤكد دليلي هذا أيضاً أن أيام الخلق قد امتدت لتشمل تكون جرم الأرض بما ينزل فيها من السماء من رواسي (حجارة) وتراكمها فيها وهي حارة مائعة حتى تتحول الأرض إلى جرم واحد متماسك بارد وصلب السطح، ثم ما يلحق ذلك من دحو الأرض ثم طحوها؟! ... .. وكل هذه التفاصيل تجري أيضاً على اطراد وتنظير فيزيائي مما نعهد.
فالرجل اعتقد صحة نموذج نظري معين (لكونه هو السائد حاليا في دائرة تخصصه الطبيعي)، فتأول في ضوئه نصوص القرءان والسنة الواردة في أحداث الأيام الستة (على اعتبار أن إجماعات الأولين في فهم كلام ربهم ليست "علما" وإنما هي ظنونهم البشرية القاصرة، بينما اتفاق الطبيعيين حاليا على نموذج نظري معين - بصرف النظر عن موضوعه ومقدماته العقلية - هو العلم القطعي المحكم لا محالة)، ثم جاء الآن ليقدم هذا التأويل دليلا على صحة ذلك المعتقد نفسه لديه! فأين الدليل العقلي فيما قال، الموجب لجريان تفاصيل أحداث الأيام الستة المذكورة في القرءان على قوانين الفيزياء التي نعهدها (بالعين أو بالنوع)؟ هو اعتقد أن الأمر كذلك، لأن علماء الطبيعيات استفاضوا في التنظير في هذا الباب على هذا الأساس، فلزم أن يكون أصل تنظيرهم حقا قطعيا محسوما، وانتهت القضية 
ولأن مسلكهم الكلي يقتضي القول بأن أحداث نشأة الكون ما زالت جارية إلى يومنا هذا (تبعا لنظرية التمدد الكوني)، لزم أن يكون اليوم السادس الذي جاء الوحي بخبره، مستمرا إلى يومنا هذا، بل وإلى يوم القيامة (كما يلزمه القول به)، فمن خالفه بالعقل أو النقل أو اللغة أو الأثر أو الإجماع (بل بهذه الأنواع كلها)، فهو سفساط متفلسف لا محالة، لا يقيم بالعلم رأسا]
أقول:
هذه الفقرة مليئة بالمغالطات المنطقية من خصمي المتعالي (بقوله: الرجل .. وهي صيغة غرضها التصغير):
وتفصيل ذلك كالآتي:
1- بيَّنت في المداخلة السابقة (#81) أن محل النزاع الذي أهاجمه كان ذلك الخط الميتافيزيقي الوهمي الذي توهمه خصمي، وقال أنه يفصل بين ميتافيزيقا خلق الأيام الستة، وفيزيقا الكون الذي انقدحت شرارته فقط من تلك اللحظة؛ أي لحظة نهاية اليوم السادس بحسب كلامه. وقام دليلي على أن فساد هذا الوهم عند خصمي يقوم على اتساق أحداث خلق الأرض في عمق الأيام الستة مع ما نراه محققاً أمام أعيننا على الدوام بالرصد والتجريب من تخليق للعناصر في النجوم، ونشأة مجموعات شمسية نراها بالرصد.
وإن كان محل النزاع عند خصمي هو طلبه دليل على ذلك الاتساق، وأن التجريب الراهن يقيني في إخباره عن مراحل خلق الأرض من عناصر كيميائية إلى تراكم مادي آل به الدوران إلى جرم بارد السطح، فيكفيه في ذلك آلاف الأدلة من الدراسات الجيولوجية التي تنقِّب الأرض وطبقاتها، وتُعين أعمار الطبقات المتتابعة، والتحولات الجيولوجية في قشرة الأرض، و و ...إلخ. .. ... ولكن خصمي لا يعلم عن كل هذا شيء .. ولا يريد أن يعلم .. ولا يريد أن يرى أن قول الله تعالى "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ "(العنكبوت:20) يؤول إلى معنى رؤية محققة لخلق يتخلق في النجوم، وخلق دونت الصخور أحداثه.
2- أما ما هو أسبق من ذلك، فهو تشكل جرم الأرض، والذي دللت عليه بقولي كلمة (دليلي هذا) فيما اقتبسه خصمي، وقلت فيه (ثم يؤكد دليلي هذا أيضاً أن أيام الخلق قد امتدت ..)، وقطعهُ هو من سياقه، بدليل (ثم) التي ربطت بين العبارة السابقة واللاحقة.  .. فهو أني كنت قد أشرت إلى تخلق العناصر الكيميائية التي نعهدها في الأرض. وأنها حتماً مُخلَّقة في قلوب نجوم سابقة على تكون جرم الأرض. وقد تناولت ذلك في المداخلة السابقة. .. وأقصد من عبارتي (ثم يؤكد دليلي هذا أيضاً أن أيام الخلق قد امتدت) أن سيرورة الخلق من عناصر كيميائية يلحقها تراكم تلك العناصر في أجرام سماوية، منها جرم الأرض والكواكب، بل والشمس ذاتها، تتعاضد، وتؤيد كل مرحلة منها ما يليها من مراحل. .. أي أني أشرح كيف أن هذا التوصيف المؤكد بالرصد والتنقيب والتجريب والاختبار يتعاضد ويخلو من الاختلاف الداخلي بين مراحل التكوين الكوني. ومعلوم أن الاستشهاد بخلو الفهم من الاختلاف، وجودة السبك، والارتكان إلى الوقائع الفيزيائية أدلة على صحة التصور.
.. وإذا قارنا ذلك مع تصور ميتافيزيقي لصديقي العزيز، يتحتم فيه أن الأرض قد خُلقت على نحو سحري عجائبي، لا سببية فيه، ولا اتصال بين خلقها وجاهزيتها للعمران ... لسقط هذا التصور الأخير .. متلحفاً بخذلان أساطير الخلق قبل العلمية، والتي مزجها الناس بالدين وما هب منه. والتي كان أهلها يظنون أن خلق السموات والأرض يشبه إعداد المسرح في الكواليس، ثم دق الجرس، فانفتح ستار المسرح وبدأ الأحياء يدبون في مشهده جماعي . ..!!! .. تصور أسطوري .. يضحك منه أي عالم .. وينزوي قائله على الفور وراء أبدان الناس حتى لا يكشف عن شخصيته فيفتضح فهمه القاصر لمجريات الخلق وحكمته.
ومن لا يقبل التصور الأول القائم على أدلة التخلق النووي في العناصر التي تجري الآن في معامل ومعجلات الفيزياء، (دون ما ذكره خصمي من عند نفسه وقال فيه: تبعاً نظرية التمدد الكوني، وهو ليس شرطاً عندنا)، وعلى الأدلة الجيولوجية المستخرجة من الأرض والتي عُلمت أعمارها، وعلى ما يتساقط من نيازك وكسف من السماء ترتطم بالكواكب والأرض والقمر – نراها بأم أعيينا، وكان لها النصيب الأكبر في تثقيل أرضنا وتثبيتها عن الميدان، كما قال تعالى "وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ" ... وغير ذلك من أدلة لا أستطيع حصرها من كثرتها، في هذا المقام .. إذا تبين هذا لذوي الأفهام .. وقارنوها مع ذلك التصور الأسطوري لخصمي العزيز ... فحتماً يعلم القارئ ما ينبغي أن يقال من قَذْف هذا التصور الأسطور في وجه صاحبه، على أنه مرحلة ما قبل العلم، وقد انطوت صفحتها في كل معاهد الأرض .. إلا المعاهد الدوجمائية التي خلطت ثقافات ما أنزل الله بها من سلطان مع ما نزل به الوحي، وألصقتها به من عند أنفسها، ولم تستطع التخلص منها، ولا تجد متعتها إلا في تلبسها في إطار منظومة فكرية عتيقة لا علاقة لها بخبر ولا خبرة.
والخلاصة أن محل النزاع بيني وبينه مختلف. .. أي أني لا أستدل بمحل النزاع الذي ينازعني فيه هو، لأن دلالة التجريبيات على صدق الحوادث لا تحتاج إلى دليل. ومن يكذب بها فهو كمن يكذب بالحواس. وأيما امرؤ يشكك في صدق الحواس المحققة وما تشير إليه، فلا مجال للحوار معه، فضلاً عن إقناعه بشئ وقد كذّب بالحواس!!
أما محل النزاع الذي يمكنني منازلته فيه فهو ذلك الخط الوهمي الذي سماه الخط الميتافيزيقي، وكيف أنه حدّه من عند نفسه ينهاية اليوم السادس من أيام الخلق، بلا دليل ولا أصل. ولا يعني ذلك أني أمدد السببية الطبيعية إلى ما لا نهاية في الماضي كما يفعل أصحاب – ما سُمِّي بـ - نظرية الانفجار العظيم، بل إني أمدد السببية إلى حيث تتعاضد الأدلة بلا حرج على تسلسلها في الماضي. وقد وجدت أن آخر مرحلة ماضية يمكن النظر فيها فيزيائياً هي مرحلة "الماء" الذي قال الله تعالى فيه "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ". وهذا الماء ليس هو الماء الذي نعهده لتأخر تخلُّق الهيدروجين ثم الأكسجين في قلوب نجوم لم تكن قد خلقت وقتها بعد. ويمكن التنظير عن علاقة هذا الماء بما بعده من أحداث طبيعية، أما قبل ذلك فلا يمكن. لأننا لا نملك أي خبر أو استدلال من أين جاء هذا الماء، وهل خلقه الله تعالى دفعة واحدة، أم أنه مرحلة من خلق سابق آلت إلى هذا الماء، أم غير ذلك مما لا يمكن أن نعلم، لكون الأمر مخفي – أي مُغيّب - عنا تماما. وتصبح لحظة البداية عندي القابلة للتنظير هي ذلك الماء ويعلوه العرش، وكما قال أغلب المفسرون. ولكني لا أسمي ذلك خطاً أو لحظة ميتافيزيقية كما سماه صاحبي، لما يحوط لفظ الميتافيزيقا من تضمينات فلسفية من الماضي نحن في غنى عنها، ولكني أسميه الغيب المطلق الحقيقي الذي بيننا وبينه حاجز معرفي صلب لا علم لنا بكيفية تجاوزه. أي أن الحاجز بين الغيب والشهادة ليس إلا حاجز معرفي، وليس حاجزاً وجوديا في كنه الخلق كما يتوهم صاحبي أيضا!!!
2- أما قول صديقي (فالرجل اعتقد صحة نموذج نظري معين (لكونه هو السائد حاليا في دائرة تخصصه الطبيعي)) فقول يُبكي قارءَه، أكثر مما يُملي عليه من دهشة وعَجَب عند أهل العلم بالطبيعيات، ودرجة الصدق في مقولاتها. فالمتشككون يستخدمون دائما ألفاظاً يبثون فيها تشكيكهم مثل "نظرية" أو "نموذج نظري" .. وغرضهم في ذلك أن يحملوا على متن كلماتهم اللايقين، والظن الهائم على وجهه ومن ثمّ إقناع القارئ أو السامع الغافل إقناعاً نفسياً بأن كل ما هو "نظرية" فهو لا يقين .. والحال ليس كذلك بالضرورة .. فهناك – على سبيل المثال - نظرية الجاذبية .. وهناك نظرية الأوتار الفائقة ... وشتان ما بين النظريتين من مشابهة الحق .. فالجاذبية نظرية تحمل في طياتها الحق الغالب والخالي من حرج عند المناظرة بها، .. أما نظرية الأوتار .. فلا يُعلم لها حق. فهل تتساويان في درجتي يقينهما مع كونهما نظريتان؟! .. أللهم لا. .. ومن شاء التشكيك – من العلمانيين – في الفقه الإسلامي، ويتبع نفس هذا المنهج التشكيكي الأعوج، فيمكنه أن يقول: أوليست المدارس الفقهية في الإسلام مختلفة فيما بينهما، حتى أن أنظمتها مُنّظِّرون من المسلمين في صورة نظريات فقهية، .. فهي إذا نظريات .. أي أنها ليست بالضرورة يقينية الأحكام، وإلا لما اختلفت!. وكما أن تشكيك العلماني في الفقه الإسلامي تلبيس مُغرض، فكذلك ما ذكره خصمي من قوله عني (اعتقد صحة نموذج نظري معين) .. ولم يذكر ماهذا النموذج النظري الذي أتبناه ويشكك فيه، .. بل إنه لا يعلم صراحة، لأننا لم نتحاور في النماذج التنظيرية، وأيها يمكن استخدامه في التأويل، وأيها لا يمكن .. أللهم إلا ما ذكرته بنفسي دون محاورة من رفضي لنظرية الانفجار العظيم، وقبولي لفكرة التوسع دون الارتكان إليها في أي شيء عرضته حتى اللحظة لأنها ليس بدرجة اليقين الكافي. .. فكيف شكك فيما أتبناه من فيزياء أراها جديرة وأشبه بالحق مما عداها وخاصة ذلك النموذج الأسطوري – وليته نموذج نظري – الذي يتبناه خصمي. ويميز فيه بين ميتافيزيقا وفيزيقا!!!
أما ما صرحت به من فيزياء يمكن الارتكان إليه بثقة تامة، فهو التخلق النووي للعناصر في قلوب النجوم، وهو مؤكد بما تجرى عليه يومياً من تجارب يتم تخليق العناصر فيها (راجع في ذلك ما ذكرته في مقالة خلق السماوات والأرض في ستة أيام - تأويل جديد حين قلت:

هذا الأمر محسوم بالأدلة العلمية ولا أرى له سقوطاً إلا إذا انهدم كل هيكل الفيزياء النووية الحديثة، وما نتج عنها من تحكم في تخليق تلك العناصر الآن في المفاعلات النووية، بل وتخليق عناصر ليست موجودة في الطبيعة لسرعة انحلالها مثل كاليفورنيوم وأينشتانيوم وذلك من بين حوالي 20 عنصر كيميائي مخلق في المعامل النووية، وكان آخرها العنصر المسمى أون أون سبشيامUnunseptium  والذي أمكن اكتشافه وتصنيعه في إبريل من عام 2010.
 .. فهذا إذاً علم مؤصل ومؤسس، وليس نظرية افتراضية كما يزعم خصمي، بل عمل تجريبي تتم ممارسته على نحو تفصيلي .. ولا يشكك فيه إلا غير عالم به وبقوته المعملية، وما يعضده من أرصاد نجمية لأطياف العناصر تؤكد صحة التخلق النووي للعناصر في النجوم . ... فإن جاءنا من يشكك في هذا الفهم التجريبي .. رددنا تشكيكه عليه وفرضنا عليه أن يفسر الكم الهائل مما لدينا من النتائج التجريبية والرصدية بما هو أصدق مما عندنا من علم بها ، فإن قال لا أعرف ، أو قال أن الأمر غيب مطلق – بزعمه – فقد جمع مع عدم العلم بما يفتي فيه، الجرأة على الغيب نفسه بما يفتي به إثباتا من حيث لا إثبات. ويُضاف إلى ذلك صده عن سبيل أمر الله بالنظر فيما خلق الله من شيء، كما في قوله تعالى " أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ .."، وتدبر القرآن كما في قوله تعالى" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا " .. والمصادرة على ما لا علم له به، والتحكم في معاني كلام الله بلا سلطان أتاه. .. وكم هي آثام علمية عرّض نفسه لها، وكان في غنى عنها.
3- أما قول صديقي العزيز أبو الفداء! (اتهاماً لي وتلبيساً على القراء):
بأني أناهض [إجماعات الأولين في فهم كلام ربهم (بأنها) ليست "علما" وإنما هي ظنونهم البشرية القاصرة، بينما اتفاق الطبيعيين حاليا على نموذج نظري معين - بصرف النظر عن موضوعه ومقدماته العقلية - هو العلم القطعي المحكم لا محالة) ثم جاء الآن ليقدم هذا التأويل دليلا على صحة ذلك المعتقد نفسه لديه! فأين الدليل العقلي فيما قال، الموجب لجريان تفاصيل أحداث الأيام الستة المذكورة في القرءان على قوانين الفيزياء التي نعهدها (بالعين أو بالنوع)؟ هو اعتقد أن الأمر كذلك، لأن علماء الطبيعيات استفاضوا في التنظير في هذا الباب على هذا الأساس، فلزم أن يكون أصل تنظيرهم حقا قطعيا محسوما، وانتهت القضية!]
أقول في ذلك أن المقارنة فاسدة،... لماذا؟! .. لأني لا أقارن أقوال بأقوال. .. ففي الماضي كان علماؤنا يواجهون مشكلة مقابلة النقل بالعقل. من حيث أن الإسلام يستند إلى النقل عن الله تعالى (قرآن وسنة) في محكماته عن الخلق والبعث الملائكة والجن، والمتفلسفة المستندون إلى العقل (المجرد) في توهمهم بالعقول السماوية و و .. إلخ
أما اليوم فالأمر يقوم على المواجهة بين مصدرين، هما: النقل (القرآن والسنة) والخلق (المستنطق بالنظر – أي الرصد - والتجربة). .. وأيما ظاهرة تكلم عنها النقل (القرآن والسنة) والتجريب المحقق، فلا بد وأن يتسق كلامهما. وإلا كان إما فهمنا لكلام النقل خطأ، أو تحقيقنا للتجريبيات خطأ، أو كلاهما خطأ. .. وهذا هو المنهج الذي أنتهجه !!!!
فأين يقع في هذا المنهج (إجماعات الأولين في فهم كلام ربهم – كما ذكر خصمي) ، إنه يقع في فهم النقل، في مسائل لم يعهدوها.
وأين يقع في هذا المنهج (اتفاق الطبيعيين حاليا على نموذج نظري معين – كما ذكر خصمي)، إنه يقع في فهم التجريبيات، التي يُنظرون حولها.
والتلبيس الذي جاء به خصمي هو أني أقبل فهم الفئة الثانية، وأقدمها على فهم الفئة الأولى. وهذا غير صحيح. .... لماذا؟ .. لأني لست متبعاً أقوال الناس سواء كانوا هؤلاء أو أولئك .. أنا أجتهد في فهم كلام الله تعالى من مصدره المباشر ...وأجتهد في فهم التجريبيات من مصدرها المباشر، وأصل إلى الفهم الأكثر اتساقاً بين ما قال الله وما خلق الله، وكما ذكرت في رسالة هذه المدونة منذ أنشأتها وقلت فيها:


هناك علاقة وثيقة بين القرآن والعلم. ونقصد بالعلم كل علم موافق للمعلوم نافي للجهالة. وحيثما يتوفر في العلوم الحديثة هذان الشرطان، فالقرآن يدعمه ويحض عليه، بل ويستشهد به على أنه كتاب الله الحق. ولا يعني توثيق العلاقة بين القرآن والعلم الحديث الدعم الكامل لكل مقولات العلوم الحديثة بالقرآن، ووضعها في منزلة تضاهي كتاب الله تعالى. فهذا منطق الأتباع والمريدين الذين يدورون في فلك الغرب، ويتخذونهم وأعمالهم شركاء لله. تعالى الله عن ذلك وتجلّى في عليائه. بل المقصود العلم ذاته، سواء وافقته المقولات الغربية أو لم توافقه. وهذا يعني أن الأعمال العلمية للغربيين ستوضع تحت الاختبار، ولن تُقارن بنصوص كلام الله تعالى، بل بتأويل كلامه سبحانه على ما يمكن فهمه بأدوات الاجتهاد المعتبرة. ومعنى ذلك أن المقابلة ستكون بين المفهوم من كلام الله تعالى والمفهوم من ظواهر واقعية. أو بمعنى آخر: بين استنطاق كلام الله بلغة بشرية تفسيرية، واستنطاق الظواهر الواقعية بلغة بشرية تفسيرية، حتى ولو شملت الرياضيات. ومن ثم يكون وجهي المقابلة بشريين. وما من حرج عندئذ يتحرج منه المؤمنون. أما كلام الله تعالى فلا يقابل إلا مع خلقه سبحانه على ما أبدعه الله. ومن ثم يكون وجهي المقابلة في شأن الله عزَّ وجل: كلامه العلي، وخلقه البهي.]

.. فمن رآني مخطئاً فليأت بأفضل مما جئت به اتساقاً، شريطة ألا يسقط أي من المصدرين، لأنه إن أسقط النقل استخفافاً، فهو كافر بصدقه، أو عاجز عن فهمه! .. وإن أسقط التجريبيات وصدقها، فهو أيضاً إما كافر بها، أو عاجز عن فهمها! .. ولا يسع المؤمن بالنقل إلا أن يصدق بالتجريبيات، وإلاّ يكون مكذباً بالنقل نفسه أو عاجز عن فهمه، لأن النقل قد استشهد صراحةً بالتجريبيات على صدقه، وأمر بالنظر التحقيقي فيه .. ومن كان قاصراً عن العلم بذلك .. فلا يُحمِّلن النقل وزر قصوره.
4- وعلى ذلك تكون الخلاصة التي وصل إليها خصمي وقال فيها عني: (هو اعتقد أن الأمر كذلك، لأن علماء الطبيعيات استفاضوا في التنظير في هذا الباب على هذا الأساس، فلزم أن يكون أصل تنظيرهم حقا قطعيا محسوما، وانتهت القضية!)  ليست إلا ما توهمه من أني متبع أعمى لعلماء الطبيعة!!! .. وقد أخطأ خطءاً فاحشاً في ذلك ... لأني كما رفضت نظرية الانفجار العظيم اجتهاداً  .. – وهو يعلم ذلك جيداً مني وأقرني عليه - .. قبلت نظرية التخلق النووي للعناصر اجتهاداً أيضاً، وهو ما يخاصمني عليه الآن! .. وربما أملى عليَّ خصمي منهجه في تقليد كتب التفسير أن كل الباحثين مثله، حتماً مقلداً شيخاً .. وحمَّلني وزر التقليد الذي ينتهجه بتقديس من يقلد .. وما أنا بمقدس بشر بكلام من عند نفسه وليس وحياً من الله أو يؤول إليه.. وإلا أكون مشركاً، .. معاذ الله. .. ومن رضى ذلك لنفسه .. فهو وشأنه.
5- أما قوله: (بصرف النظر عن موضوعه (يقصد النموذج النظري) ومقدماته العقلية - هو العلم القطعي المحكم لا محالة) ثم جاء الآن ليقدم هذا التأويل دليلا على صحة ذلك المعتقد نفسه لديه! فأين الدليل العقلي فيما قال، الموجب لجريان تفاصيل أحداث الأيام الستة المذكورة في القرءان على قوانين الفيزياء التي نعهدها (بالعين أو بالنوع)؟)
أجيبه، بأن صدق التجريبيات المحققة تلزم من لا يتأبى عليها أن يقبلها. وفي شأن التخليق النووي لا بد وحتماً أن ذرات الأرض جميعاً مُخلّقة، وليست مخلوقة خلقاً سحرياً أسطوريا كما يتوهم كثير من المعاصرين. .. فمن أنكر صدق التجريبيات فقد أنكر صدق الحواس .. ومن لا يستطيع الوقوف على تلك البراهين التجريبية الطبيعية لأنها أصعب من مداركه، وفوق طاقته .. فليس له أن ينكر على أهلها شيئاً لا يحسنه سواء بإثبات أو بنفي. .. ومن قال لا أدري فقد أفتى. وسوف يثيبه الله على الصمت وعدم الفتوى بإنكار الحق ثواباً واسعاً .. وما أجمله من ثواب ذلك الذي يحوزه الإنسان على صمت لا جهد فيه. .. وفي كلامي هذا لمن عقله الدليل التجريبي العقلي جميعاً. ومن لم يفطن إلى ذلك فليراجع قدراته الإدراكية أو يسأل أهل الذكر في هذه المسائل، فسوف يدلونه إلى الخير إن شاء الله، إلا إذا عاند وتأبّى عليه.
(# 83[متابعة الرد على مداخلة # 35]

قال أبو الفداء: 
[(يقول:) وكما جرت سيرورة الخلق على هذه الأرض، فإنها تجري الآن وفي هذه الأثناء، وأمام ناظرينا، في تخليق كواكب مثيلة ... .. ألا يعني ذلك أن الخلق الكوني ما زال مستمرا، وأنه لم يتوقف عند ذلك الحد السحيق (المتوهم) الذي أشرت أنت إليه! - وتقصد منه لحظة نهاية اليوم السادس - والذي ظننت أن قوانين الفيزياء الكونية بدأت العمل فقط اعتباراً منه وليس قبله؟!
كلا لا يعني ذلك! فكما نفرق بين أحداث تجري الآن على سطح الأرض من خلق بعد خلق، وأحداث خلق الأرض نفسها (من دحي وبسط ونحو ذلك مما جاء ذكره في النص) فنحن نفرق كذلك بين أحداث نرصدها حاليا في الفضاء البعيد، قد نتمكن من استقراء نظامها السببي على نحو ما، وما جرى من أحداث أولى خلقت فيها السماوات كلها بنظمها وقوانينها! فالذي نرصده مما يجري على الأحداث المرصودة حاليا إنما هو ذلك النظام الذي كان ابتداؤه وخلقه في الأيام الستة، فلا يصح عقلا أن نطرده حتى يكون طريقنا لمعرفة أحداث الأيام الستة]
أقول:
بعد نفي أبو الفداء لما استنكرته وقلت فيه: [ألا يعني ذلك أن الخلق الكوني ما زال مستمرا؟!]، وقوله: [كلا لا يعني ذلك!] .. جاء باحتجاج في منتهى العجب. ..
قال: [فكما نفرق بين أحداث تجري الآن على سطح الأرض من خلق بعد خلق، وأحداث خلق الأرض نفسها (من دحي وبسط ونحو ذلك مما جاء ذكره في النص) فنحن نفرق كذلك بين أحداث نرصدها حاليا في الفضاء البعيد، قد نتمكن من استقراء نظامها السببي على نحو ما]
ما معنى هذا؟ .. ما معنى التفريق بين أحداث تجري على سطح الأرض .. فيزيائياً؟! .. لا يبدو إلا أنه يقصد أن الأحداث المختلفة على سطح الأرض تتطلب قوانين مختلفة أو تأويلات مختلفة ... ومن ثَمّ يحتج بها على افتراق قوانين أيام الخلق الستة عما بعدها !! لأن هذا الأفتراق سيكون أشد وأبين .. إن كانت هذه حجة .. فهي في عرف الفيزياء المعاصرة نكوص عن العلم الحديث إلى أوهام العصور الوسيطة التي كان الفلاسفة يظنون فيها أن العالم يتكون من عالمين، ما تحت فلك القمر، ويسمونه عالم الفساد، وما فوق فلك القمر، ويسمونه عالم الكون، أي الكمال الذي لا فساد فيه . وكانوا يتوهمون أن عالم الفساد فقط يؤول إلى فساد ما فيه مع الزمن – وهو ما تعبر عنه الفيزياء المعاصرة بزيادة الأنتروبيا – أما عالم الكون (ما فوق فلك القمر، فهو عالم لا فساد فيه، وكأنه جواهر محفوظة، ودرر مكنونة .. إلخ ... فهل يقسم أبو الفداء أحداث الأرض إلى وجودات مختلفة القوانين كما كان يظن الفلاسفة بأن العالم كونين مختلفين؟! .. إن كان ذلك .. فقد رجح القهقري في فهم الثورة العلمية التي جاءت مع ميكانيكا نيوتن، والتي وحدت بين عالم ما تحت فلك القمر، وما فوقه. وهذا هو السبب في قيمة هذا العلم، .. أقصد توحيده بين الأرض والسماء في قوانين واحدة بعد أن كان القدماء يفرقون بينهما من حيث الكمال والطبيعة. .. فأعادت الفيزياء الحديثة توحيدهما بعد أن فرقهما الوهم بلا سند من نقل (خبر) أو خبرة!.  .. وهذه الأوهام القديمة هي التي أدلفها المفسرون القدماء في فهمهم لآيات القران، وهي التي ما زال يحتفظ بها بعض المعاصرين من أتباع تلك التفاسير، ويدافعون عنها، وكأنها جزء من الوحي، ويطبقونها حتى على أحداث مختلفة المظاهر على الأرض .. يظنون أنها تتبع قوانين مختلفة!!! ... وهذا آخر ما كنا نتصور ... نعم .. لم يهبط بنا التصور أبداً  أنهم ما زالوا يعيشون بأفهام قد نُقضت قبل أكثر من ثلاثمائة سنة!!
أقول لهم – ولمن تزعَّم الحديث منهم – أن قوانين الفيزياء لا تفرق بين حدث وآخر على الأرض، ولا بين الأرض غيرها من كواكب وراء فلك القمر، ولا بين شمسنا وغيرها من نجوم. وأن الأرض كوكب – لعلمي أن منهم من ينكر أن الأرض كوكب ...
جاء في كتاب "الصواعق الشديدة على أتباع الهيئة الجديدة"، لمؤلفه "حمود ابن عبدالله التويجري"، ط1، 1388هـ، ص116، قوله: إطلاق إسم الكوكب على الأرض خطأ وضلال. والذين أطلقوا عليها اسم الكوكب هم الذين زعموا أنها تسير كما تسير الكواكب وتدور على الشمس وهم أهل الهيئة الجديدة من الإفرنج ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من جهال المسلمين. وهذا خلاف ما سماها الله به في كتابه وما سماها به رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع المسلمين، سوى الأغبياء المقلدين لأهل الهيئة الجديدة.
وأن ذرة أي عنصر على الأرض وقوانينها الذرية والنووية هي هي حيثما توجد في الكون. ولو في أقصى أجرامه التي تبعد عنا مليارات السنين .. ويقال مثل ذلك في كل قانون فيزيائي محقق يصف المجالات والتفاعلات وما يتصعد منها في صورة أحداث في الأرض أو في السماء ... ولهذا تسمى قوانين الفيزياء "قوانين" أي سنن لا تتخلف .. لأنها لا تميز بين الموجودات لا من حيث المكان، ولا من حيث الزمان .. ومن لا يعلم ذلك فأمره في تباب، وخبره في شتات، وحاله يُرثى له.
لذلك فإن قول صاحبي: (أحداث .. الفضاء البعيد، قد نتمكن من استقراء نظامها السببي على نحو ما) والذي يفهم منه أنها ما زالت أحداثا طلسمية – كما كان يظن القدماء - ... لا يعني إلا أنه يزدري علم الفك والفيزياء الفلكية والكوزمولوجي جميعاً على أنها لم تفكك أي شيء من تلك الطلسمات!! ..
ألا يعني ذلك أنه يتسخف بهذه العلوم وأدلتها ؟! ... على خلاف ما زعم من أنه يحترم العلم وأدلته  !! .. هل أثبت بطلان التطابق بين أطياف النجوم وأطياف العناصر على الأرض، والي منه علمنا أنها تتكون من نفس العناصر الكيميائية التي تتكون منها أجسامنا ؟! ... إذا كان حقاً يُنكر هذه الحقائق وأمثالها ... فلا بد أني قد أخطأت الحديث معه منذ اللحظة الأولى ... إنه إذن يعيش في زمن آخر لا علاقة لها بالعصر الذي نعيش فيه .. وليس له أن يتكل في العلوم ناهيك عن فلسفة العلوم ... ثم ماذا ؟ّ! .. ثم يؤلف كتاباً يعنونه بـ (آلة الموحدين في كشف ضلالات الطبيعيين) .. وإذا كان ينكر وحدة القوانين بين الأرض والسماء فكيف به يجعل من الطبيعيين الذين لم يفهم القوانين التي بثها الله تعالى في خلق مخرفين؟!!! ... الأحرى بكتابه عندئذ أن يحمل اسم (إضلال الموحدين عن كشوفات الطبيعيين)!!! ... ويبدو أن خصمي لا يختلف عن ذلك القاضي الذي قصصت قصته في (مداخلة # 45) والذي كان يتساءل عن علاقة مكتشفوا القوانين الفيزيائية بالجن، وأنهم ربما تعلموا منهم هذه الأشياء!!! ... ياللحسرة على الإسلام الذي آل أمره إلى عقول تفكر بهذا المستوى .. ياللحسرة.
- وإذا وصلت إلى هذا الحد، أسعى مع القارئ الواعي أن يتفهم معي العبارة الآتية لخصمي التي أدرجها أعلى! .. يقول:
[أحداث .. الفضاء البعيد، قد نتمكن من استقراء نظامها السببي على نحو ما، وما جرى من أحداث أولى خلقت فيها السماوات كلها بنظمها وقوانينها! فالذي نرصده مما يجري على الأحداث المرصودة حاليا إنما هو ذلك النظام الذي كان ابتداؤه وخلقه في الأيام الستة، فــــ لا يصح عقلا أن نطرده حتى يكون طريقنا لمعرفة أحداث الأيام الستة! ]
وأسأل العقلاء .. وأصحاب الأفهام .. وأصحاب اللغة .. وأصحاب البصائر .. وذوي الألباب .. كيف يجمعون بين هاتين العباتين:
1- الذي نرصده مما يجري على الأحداث المرصودة حاليا إنما هو ذلك النظام الذي كان ابتداؤه وخلقه في الأيام الستة
2- لا يصح عقلا أن نطرده حتى يكون طريقنا لمعرفة أحداث الأيام الستة!
كيف يقر بأن ما نرصده هو ذلك النظام .. في الأيام الستة  ... ثم لا يصح عقلاً أن يكون رصدنا هذا طريقنا لمعرفة أحداث الأيام الستة ؟!!
كيف نُقر برؤية محققة لشيء ما .. ثم ندعي بأنه لا يصح عقلاً أن تكون هذه الرؤية مصدر معرفي عن ذلك الشيء؟!
هل يثبت صديقي الشيء وينفي توابعه الضرورية ولوازمه، فيكون قد اثبت العلم .. فيخرج من حرج نفي العلم وتحقيره .. ويكون في نفس الوقت قد نفى .. فيخرج من حرج الخروج على السلف ؟!!! ... ما هذا ... هل هذه هي حججه العقلية ؟! .. هل هذا هو العقل المجرد الذي ذكره من قبل؟!
أترك القارئ ليغرق في هذه الترهات إن شاء .. أما أنا فسوف أعرض عنها حفاظاً على قواي العقلية.. ولا أستبعد إن رَد خصمي – وما هو براد – إلا أن يقول أني لم أفهم ما قاله .. وما أصبح عليه من حرج أن يلوي معاني المنطق اللغوي .. وأن يقول أي شيء ... لأنه ربما وصل عند طلابه إلى رتبة شيخ الشيوخ .... الذي أصبح معصوماً فيما يقول .. حتى وإن خالف ما ينطق به الناس من المعقول!!!
- وأخشى ما أخشاه أن يكون ما دار بخلد صديقي وهو يكتب ما قرأنا، أنه يقصد أن الله تعالى يخلق أجراماً في السماء خلقاً لا سببياً (سحرياً أو أسطورياً كما كان يظن القدماء فيوجد الكوكب في لحظة بعد أنه لم يكن)، ثم تبدأ قوانين الطبيعة قيادة زمام هذا الكوكب وتسري فيه الأحداث الطبيعية فجأة كما تسري الروح في الجسد الميت .. (إن كان الأمر كذلك .. فياللحسرة على ما ضيعته من وقتي في مثل هذا الحوار)
ولئن كان ذلك كذلك فلن أتعجب منه – أو من يؤيده في ذلك – إن تحجج بأن الله على كل شيء قدير!!! ... ولئن فعل ... فلكل امرأة جاءت بطفل تحمله بين ذراعيها وتُنكر أن له أب، أن تحتج بأن الله تعالى على كل شيء قدير!!!!
(# 84[متابعة الرد على مداخلة # 35]

قال أبو الفداء: 
12- وقال أبو الفداء:
[أما قوله: [وليس أمامك من وسيلة لدحض هذا التفسير الأخير إلا أن تدحض جملة من قوانين الفيزياء، أهمها التخليق النووي لذرات العناصر Nucleosynthesis، وعلى الأقل، ما يجري منها في شمسنا. .. وبالله عليك، لو حاولت - فلا تستعن في ذلك بفلسفة العلوم، فإنها لن تغني عنك شيئا، (أقصد لن تسعفك - حتى لا تسيء الظن بمعاني الألفاظ) .. فأصحابها عاطلون عن العمل (أقصد العمل العلمي العملي المثمر)، ولا هم لهم إلا القيل والقال، والثرثرة بـ (لو كان كذا في هذه النظرية لكان كذا..]
فلن أرد عليه، لأنه يصر على تغليق الباب أمام من يناقشون شيئا مما قرر أن يعتنقه كحقائق علمية منتهية، تماما كما هو دأب الطبيعيين الماديين في تعاملهم مع ما يسمونه "علما" وما يسمونه "فلسفة"، وهذا هو التعسف والتعصب بعينه! ولك أن تتأمل في إطلاقه الاتهام بالعطالة عن "العمل العلمي المثمر" و"القيل والقال" و"الثرثرة" ونحو ذلك من كلام إنشائي أجوف أترفع عن الخوض مع من يتعلقون به! الرجل لا يرى "العلم" إلا العلم الطبيعي، فما هو اسم الطائفة التي تدين بهذا المعتقد يا أخانا، إن كنت تعلم؟ والمضحك أنه يظن كذلك أنني يلزمني تفنيد نظرية التخليق النووي لذرات العناصر تبعا للسنن الكونية الجارية حاليا، حتى أثبت (منطقيا) بطلان مسلكه في إجرائها (أي تلك السنن) على الأحداث التي فيها وضعت تلك السنن نفسها من الأصل وكان بها ابتداؤها بعد أن لم تكن! أنا أقول إن الحدث (أ) كان سببا في ابتداء النظام (س)، وهو يصر على الوصول لمعرفة تفاصيل (أ) بالقياس على ما يجري من أحداث تحت النظام (س) (أو بعبارة أخرى: لا يجد إلا الزعم باطراد قوانين النظام "س" حتى تدخل تحته تلك الأحداث التي كانت سببا في ابتدائه هو نفسه!)! ومثله في هذا (مع الفارق) كمثل من أراد أن يعرف أحداث صناعة جهاز الكمبيوتر – مثلا – وترتيبها وتفصيلها في المصنع، فراح يتأمل في خطوات تشغيل نظام الويندوز! لقد أعياني – والله – التكرار والسعي في إفهامه محل الخلل في تصوره، فأكتفي بهذا القدر ولا أزيد.
أقول:
1- في مثاله الأخير الذي قال فيه: [كمثل من أراد أن يعرف أحداث صناعة جهاز الكمبيوتر – مثلا – وترتيبها وتفصيلها في المصنع، فراح يتأمل في خطوات تشغيل نظام الويندوز!]
هناك حدٌ وجودي ومعرفي فاصل بين نظام تصنيع أجهزة الكومبيوتر ونظام البرمجة، وهذا يجعل من الاستدلال بالأحداث البرمجية على الأحداث التصنيعية محالا. .. أي أن افتراق النظامين هو السبب في إستحالة تخطي البرزخ المعرفي بينهما ..  ولكن أين ذلك البرزخ المعرفي بين النظام الطبيعي الكوني الذي نعهده، عما يزعم خصمي أنه يفترق عنه في مصنع السموات والأرض في أيامه الستة؟! ... إن هذا البرزخ لا يوجد إلا في وهم خصمي العزيز. . أي أن المثال فاسد. لأنه لا أصل عنده بوجود ذلك البرزخ – لأني فندت له دليله – ولا أصل عنده على اختلاف ما دار في الأيام الستة على ما يدور الآن من سنن طبيعية كونية؟! وهذا هو محل النزاع. فكيف يقيس هذا الحال المجهول عنده (بمقدمته وغرضه) على نظام الكومبيوتر بأجهزته وبرمجياته؟! ...
2- وما أتيت لخصمي بحجتي بـ (التخليق النووي لذرات العناصر Nucleosynthesis) إلا لإظهار أن هذا البرزخ المعرفي الذي يدعيه موهوم. أي أن أحداث تخليق الأرض هي من نفس نوع تخليق المادة التي نعهدها ... بخلاف أجهزة الكومبيوتر وبرمجياتها في مثاله. .. وبدلاً من الاعتراف بأن حجتي تُثبت بالفعل وحدة الآليات الطبيعية بين الأيام الستة وما نعهده، راح يقول: [لن أرد عليه، لأنه يصر على تغليق الباب أمام من يناقشون شيئا مما قرر أن يعتنقه كحقائق علمية منتهية] !! .. فزعم زعمين أغرب من بعضهما:
الأول: أن (التخليق النووي لذرات العناصر) ليس علماً .. وذلك عندما قال: [مما قرر أن يعتنقه كحقائق علمية منتهية] ففرَّغها من قيمتها العلمية بلا أي تفنيد علمي يؤثر .. ويا ليته احتج حتى بضعف قيمتها العلمية، هذا إن كان يعلم لها قوة من ضعف، ... لأن الأمر بعيد عن قدراته المعرفية.
والثاني: أن سبب عدم الرد .. كما قال:
لأنه يصر على تغليق الباب أمام من يناقشون شيئا مما قرر أن يعتنقه كحقائق علمية منتهية، تماما كما هو دأب الطبيعيين الماديين في تعاملهم مع ما يسمونه "علما" وما يسمونه "فلسفة"، وهذا هو التعسف والتعصب بعينه! ولك أن تتأمل في إطلاقه الاتهام بالعطالة عن "العمل العلمي المثمر" و"القيل والقال" و"الثرثرة" ونحو ذلك من كلام إنشائي أجوف أترفع عن الخوض مع من يتعلقون به!
وهو تذرُّع هروبي لا علاقة له بعين السؤال، وكـأنه غضب للفلسفة، فقرر عدم الرد على السؤال تحجُّجاً، أو بالأحرى تملصاً، ... وكان يمكن إن دحض حجتي، أن ينتصر لمذهبه العقلي – الذي يدَّعيه - إن كان عنده رد يحمل قيمة!! ولكنه ليس عنده شي! .. لا للدحض ولا للإثبات !! .. إلا الشخصنة وتشويه الأدلة.
3- وحول قوله (الرجل لا يرى "العلم" إلا العلم الطبيعي، فما هو اسم الطائفة التي تدين بهذا المعتقد يا أخانا، إن كنت تعلم؟) ... فما أعجبه ... فـ (العلم الطبيعي) هو العلم بـ (خلق الله) الذي حثنا الله تعالى على تعلمه ... فهل أصبح الآن من المحرّمات عند السلفية الجديدة (السلفية المتفلسفة) التي يتولى زعامتها خصمي ...؟! ... هذا حقاً آخر العجائب. ... وكأنَّ كهنوت كنيسة العصور الوسطى قد ارتحل من روما إلى ديار الإسلام ... تُحرِّم العلم بما خلق الله .. وفي الحقيقة أنها تدافع عن معتقدات دوجمائية .. تخشى عليها من أن يُغير عليها العلم الطبيعي فتنكشف أوراقها ... ويتعرى أصحابها عما يزعمونه لأنفسهم من رياسة العلم الطبيعي في القرآن مع غيره من علوم العقائد والعبادات ... وكما قلنا مراراً أننا مؤمنون بوحي الله (النقل/ الخبر)، ومؤمنون أيضاً بما فقهنا مما خلق الله من شيء (الطبيعة) .. فهل هذا يجعلنا مع الطائفة التي يُشير إليها صاحب الكلام، وهو يعلم أنهم ملحدون ؟! .. أم أنه سيلحقنا بهم ويحمل علينا اسمهم لشيء في نفسه؟! .. أو ليُنفِّر الناس من كلامنا بالافتراء علينا؟! .. ومهما يكن من الأمر فمهما عاب علينا أحدٌ تمسكنا بالعلم القائم على الأدلة اليقينية أو الراجحة ... فليس لنا إلا أن نُشفق عليه ... وندعو الله تعالى له أن يُنير بصيرته رغمه بهتانه بنا!!!
4- وأخيراً حول قول صديقي الخصم:
المضحك أنه يظن كذلك أنني يلزمني تفنيد نظرية التخليق النووي لذرات العناصر تبعا للسنن الكونية الجارية حاليا، حتى أثبت (منطقيا) بطلان مسلكه في إجرائها (أي تلك السنن) على الأحداث التي فيها وضعت تلك السنن نفسها من الأصل وكان بها ابتداؤها بعد أن لم تكن! أنا أقول إن الحدث (أ) كان سببا في ابتداء النظام (س)، وهو يصر على الوصول لمعرفة تفاصيل (أ) بالقياس على ما يجري من أحداث تحت النظام (س) (أو بعبارة أخرى: لا يجد إلا الزعم باطراد قوانين النظام "س" حتى تدخل تحته تلك الأحداث التي كانت سببا في ابتدائه هو نفسه!)!
وبعد ملاحظة التأثير النفسي الذي يود أبو الفداء تمريره للقارئ بقول (المضحك ..) ... أقول:
اطراد الحوادث الطبيعية لا ينكره أحد من أهل العلم الطبيعي أو الفلسفي. بل إن اطراد العلة في الأحكام الفقهية هو الأصل في القياس الفقهي، فكيف يستغرب بعض أهل العلوم الشرعية أن اطراد العلة الطبيعية تقف من السنن الطبيعية موقف العلة الفقهية من أحكامها؟! ..  
فنقول أنه إذا تجاهلنا الإنكار غير المبرر - فلنا أن نعود بالنظام (س) القهقري في الزمن – اطراداً في الحوادث - والتي لو عانت من انكسار/انفصال لكانت كارثة طبيعية قبل أن تكون معرفية - حتى يقف بنا الاستدلال وينخذل، أو يمنعنا النقل (الوحي) بصريح النص. .. ولما فعلنا ذلك - بما يأمرنا به الوحي في قوله تعالى "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ"- .. لم نجد لهذا الحد الوهمي الذي يزعمه خصمي أثر، أقصد (نهاية اليوم السادس) . والذي شبَّهه في مثال الكومبيروتر بخروجه من مصنعه. . .. ووجدنا أن أحداث الأيام الستة كما وصفها اله تعالى في كتابه من نفس جنس الحوادث الطبيعية المعهودة ... فواصلنا الاطراد المعلل، رجوعاً القهقري في الزمن - والراجح الحجة .. وبما لم يستطع خصمنا أن يدحضها – كما رأينا أعلى – إلا تقريعاً لا علميا  .. بل كان الهروب سبيله أكثر من مرة – حتى وصلنا إلى الحاجز المعرفي الأشبه بالحق .. ووجدناه في ما سماه الله تعالى (الماء) في قوله تعالى " وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ" ، فقلنا به على سبيل الطرح، حتى يُخطِّئه أحد، أو يبقى رأياً لا بأس به، أو يستقوى بمزيد من الأدلة. .. فهل قولنا بأن (الماء) هو الحد المعرفي أسوأ من قوله بـ (نهاية اليوم السادس) .. وكلاهما يمثل الحدث (أ) في ترميز خصمي؟! .. فإن قال نعم هو أسوأ أو أخطأ .. وأن نهاية اليوم السادس هو الحق ... فعلامَ بنى حجته؟! ..  والتي احتج فيها بقوله تعالى " ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" وقد دحضنا حجته ، ولم يعقِّب .. وما رأينا له من حجة غيرها ... ولـمَّا احتججنا بحجتنا باطراد الحوادث -بمطابقة ما جاء في القرآن من أحداث أيام الخلق مع حوادث الكون المرئية - بما لا يرفضه إلا منكر للعلم .. تهرب من الإجابة .. وسعى إلى الاتهام والافتراء .. فأينا هو الأشبه بالحق في أعراف ذوي البصائر والعلوم الرصينة؟!
والخلاصة أنه ليس لخصمي حجة غير مدحوضة في القول بأن الحد المعرفي (الميتافيزيقي باصطلاحه) هو نهاية اليوم السادس. وفي نفس الوقت، لنا حجة غير مدحوضة بأن الحوادث مطردة وأن هذا الحد المزعوم ليس إلا وهما، وأن عدد كبير من الأحداث الواقعة في أيام الخلق الستة، هي من جنس معهود الحوادث الطبيعية. وعليه، فالحد المعرفي أبكر من الأيام الستة، وترجيحنا أنه (الماء) الذي جاء ذكره في قول الله تعالى "وكان عرشه على الماء" ... ومن عاند حجتنا بأي التفاف منطقي، فلا عبرة بكلامه.
(# 85[متابعة الرد على مداخلة # 35]

قال أبو الفداء: 
لعله من جملة تناقضاته أن ينكر على خصمه ما فهمه هو على أنه إهدار للعلم الطبيعي كله (وليس كذلك قطعا!)، ثم يقع هو في إهدار فلسفة العلم كلها جملة واحدة، يصرح بذلك ولا يبالي، بناء على دعوى تأصيلية يعتنقها في التفريق بين "العلم" و"الفلسفة" لا يدري أنها دعوى فلسفية (نوعا) بالأساس! ولا يدري أن من قبلها منه ومن ردها عليه فكلاهما حجته حجة فلسفية لا محالة، إن كانت له حجة أصلا! فهو لا يريد حتى أن يعترف بأن جدالي معه ها هنا إنما هو جدال في مذهب فلسفي أصولي ومنهج نظري كلي، وأن الجدال في هذا لا يكون إلا بأساليب العلوم العقلية التي يضربها جميعا بمضرب السفسطة، مشابها في ذلك – من حيث لا يشعر - طريقة الملاحدة الماديين الطبيعيين الذين لا تأتيهم بالرد العقلي على شيء من دجلهم إلا قالوا لك: "الفلسفة سفسطة كلها والمنطق لا يعول عليه، فلا نلتزم إلا بأدلة العلم التجريبي القطعي"! فلا هم عقلوا ما الفلسفة وما المنطق، ولا أدركوا ما حدود القطع والظن والترجيح الاحتمالي عند النظر في المشاهدات والتجريبيات بأنواعها، ولا أتوا في أمرهم بشيء يقبله العقلاء الأسوياء
ولو أن صاحبنا درس شيئا من علوم العقيدة ومدارس الفلاسفة والمتكلمين، لأدرك – من فوره - لازم قوله هذا:
لذلك لا تجد من العلماء العاملين من يهتم بفلسفة العلوم، إلا من كان صحاب فلسفة خاصة أراد أن يدعمها زوراً بالعلم، أو من تقاعد من ممارسة العلم، وفرغت جعبته من العطاء، فراح يرتاد مقاهي فلسفة العلوم، أو يتسكع في طرقات مدينة العلم، مخادعاً نفسه وغيره أنه ما زال من أهلها! .. أما العلماء الحقيقيون، فتجدهم في المعامل، والمراصد ومواقع التنقيب، ... 
ولكن ماذا تنتظر ممن يخوض في الفلسفة ولا يدري أنه خائض فيها، وأنه متلبس بأغاليط فلسفية قد سبقه إليها من "المتفلسفين" من سبق؟ لن أنبهه إلى لازم قوله هذا، لأن المفترض أن المقام مقام مناظرة بين قرينين متكافئين! ولكن قد تبين لكل قارئ فطن أنه مفتون من جملة المفتونين، لا يقبل الاعتراف بأنه ما من باحث تجريبي يدخل المعمل أو المرصد إلا وهو مستصحب في بحثه – لا محالة – جملة من الأصول العقلية الكلية والمقدمات المبطنة والتصورات الميتافزيقية، التي على أساسها يبني فرضيته الطبيعية نفسها (بما تحتها من تنظير ونمذجة رياضية)، وعلى أساسها يقرر المنهجية التي بها تصير المشاهدة التجريبية في المعمل أو المرصد "دليلا" يفيد العلم على وجه من الوجوه! ولأنه يرى الفلسفة كلها عبثا وسفسطة، فهو يتصور أن كلامي هذا (في قيام العلم الطبيعي على أصول فلسفية كلية، يرد عليها الحق والباطل والصواب والخطأ) يلزم منه أن يكون العلم نفسه عبثا وسفسطة! ولا يدري – هداه الله - أنه قد وافق الفلاسفة الماديين الوضعيين بتصوره هذا في أصل من أصولهم!] 
أقول:
- حول قوله: 
لعله من جملة تناقضاته أن ينكر على خصمه ما فهمه هو على أنه إهدار للعلم الطبيعي كله (وليس كذلك قطعا!)
فالحق أني أنكرت على خصمي بالفعل – وما زلت – إهداره للعلم الطبيعي، ورغم محاولة التملص من ذلك، إلا أنه عملياً يهدره، ويُسخِّف به، ولا يعتمده، رغم زعمه بغير ذلك. ومن يرفض توظيف العلم الطبيعي فيما يلزم عنه عدم إهداره بزعمه، فهو هادرٌ له، مهما تصنّع من أقوال! .. وما تَصَنُّعه ذلك إلا تُقية، وذراً للرماد في العيون. .. أو أنه لا يهدر العلم الطبيعي طالما ظل بعيداً عن تصحيح تفسير معاني آيات القرآن ذات العلاقة المشتركة معه، فإن اقترب من ذلك، فالويل له ولأصحابه، والهدر له ولرقاب أصحابه. وهذا الموقف الأخير هو الأشبه بالحق. ويُلاحظ أنه اختبار لمصداقية العلم الطبيعي عنده، فإن كان يُصدِّق به بالفعل لاعتمده، ولا يغني اعتماده له وهو منه في أمان، فإن انخدش هذا الأمان السكوني المعرفي – في معاني التفسير الموروث – فلا علم طبيعي، ولا يحزنون، وليس له حكم عنده إلا أنه تخاريف، وأهله مُخرِّفون، وخير دليل على ذلك عنوان كتابه (آلة الموحدين لكشف تخاريف الطبيعيين)، ولو صدق، لقال تخاريف الملحدين من الطبيعيين. ولكنه يضع كل الطبيعيين في سلة واحدة، ملحدين أو مؤمنين، إذا اقترب منهم أحد من حِمى التفسير القديم بحُلْوِه ومُرِّه. وسنرى بعد قليل أنه سيرميني معهم بسهم واحد، ويستوي عنده المؤمن والملحد!!! .. وكأن تصديق سنن الله في الخلق، تجعل من المصدِّق  لها ملحداً أو مشركاً، بدلاً من أن تجعل من المكذب بها معانداً ومتناقضاً .. بل ومكذب بالحق في أمثل صوره وضوحاً وبيان!! 
- أما قوله: 
لعله من جملة تناقضاته أن ينكر على خصمه ما فهمه هو على أنه إهدار للعلم الطبيعي كله ... ثم يقع هو في إهدار فلسفة العلم كلها جملة واحدة
فيلزمه تصحيح، وفيه خطأ.
فأما التصحيح، فهو أني لا أهدر التفكير العلمي، ولكني أهدر عبث المتفلسفة وهم يخضعون العلم لمبادئهم العقلية دون ممارسة ولا خبرة. فيخرجون بأفكار مثالية لا أرض لها، أو وهمية، أو أماني، أو ترف فكري لا أصل لها تقوم عليه، ولا ثمرة تُرجى منه، ولا قدرة تنبؤية، ومن ثم، غياب أي برنامج عمل يستفيد منه أهله والناس. وكل همّهم في ذلك إشباع رغبتهم الفكرية وترفهم الفكري في ممارسة التفلسف، والوقوف على أسرار العلم – كموضوع للتفلسف – والذي ظلت موضوعاته تحت عبائتهم ألفي عام، ثم شب عن الطوق، وسبقهم، واقتطف من أيديهم صولجان الملك، وكأس العقل، وريادة البشرية.
وأما الخطأ، فهو أن إقامة العلم الطبيعي، وما فيه من فكر علمي قائم على أصول ثابتة الجذور في أرض التجريب الصادق، شيء ممدوح، ومن ثم وجب الإنكار على من يهدر العلم الطبيعي الذي يحمل هذه الخصال الحميدة، .. أما الفلسفة فتفترق عن ذلك، فكان إهدارها لما فيها من خصال التعالي، لا نفع فيها، ولا أمل يُرتجى إلا الأوهام، والترف، والتشويش. ومن لم يدرك الفرق بين العلم الطبيعي وما يلحق به من تفكير طبيعي أصيل في الخبرة، من جهة، والفلسفة الطبيعية وما تقوم عليه من عقلانيات مجردة لا أساس لها، من الجهة الأخرى، ..فمن لا يدرك ما بين الجهتين من فروق عميقة الجذور، فهو بعيد عن حقيقتهما. ويكفي أن يقترب الفرق بينهما مما قاله الله تعالى في كتابه "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) "(إبراهيم:25) .. فالعلوم الطبيعية لها أصل ثابت هو منطوقات الخلق بما سنّه الله تعالى فيه من أسرار نعلمها باستنطاقه بالتجريب، وهذا يُلحق نطقها بالكلمة الطيبة .. أما الفلسفة بموضوعاتها المختلفة، والتي منها التفلسف في العلوم، والتفلسف في الدين، والتفلسف في المجتمع وو إلخ فليس لها أصل إلا العقل المجرد .. الهائم على وجهه، وما أشبه الفلسفة والحال هكذا بالكلمة الخبيثة، لما تمليه على من يمارسها بما تُسميه قواعد وأصول، يتوهم أنها عقليه رصينة، وهي عبثية، لأن العقل ليس بمصدر معرفي، ولا يستطيع أن يُصدر أحكاماً من عند نفسه. بل هو آداة متكلمة، وأكثر ما يفعله أن يعيد تدوير ما دخله من معلومات، ثم يخرجها على وجوه أخرى دون زيادة إن صدق، وإلا فهو كاذب فيما يزيده من عند نفسه، وأفضل أحواله أنه يخرجها بدرجة صدقها التي دخلت بها، وعموم أحواله أن يقل عن ذلك قيمة، فإن لم تكن لها مصدر صادق في الأصل، فهي كذب على وجوه مختلفة. فكيف يُرجى ما كان هذا شأنه من خير. وكيف يوضع وما كان مصدره الحق الواقع الحق في ميزان واحد، ويحذو حذوه في القيمة؟!! .. فكان التفريق بينهما واجب ... وإعلاء الأول، وإهدار الثاني واجب العلم الذي أهم حدوده أنه يفرق بين المختلفين، مثلما أن يجمع بين المتماثلين.
الفرق بين معالجة الفيزيائي ومعالجة المتفلسف لموضوع العلم وصنعته:
ولكي يظهر الفرق بين معالجة الفيزيائي ومعالجة المتفلسف لموضوع العلم وصنعته، وكيف أن الأول يصيب كبد الحقيقة، وأن الثاني يعيش في أوهامه المفارقة للحقيقة، والتي بناها له العقل المجرد في عالم الـمُثُل، .. أقصُّ على القارئ الحدث الآتي، الفارق في تاريخ العلم في القرن العشرين:
لطالما كتب الفلاسفة المحدثون من بعد الحرب العالمية الأولى عن العلم الحديث، وخاصة حلقة فيينا وما بزغ عنها من المدرسة الـمُسمّاة بالوضعية المنطقية logical positivism، وكيف نشأت وكيف ينبغي أن تنشأ المعرفة العلمية من طيات الاستقراء والفرضيات والتنظير والاختبار والتحليل .. وهل الطبيعة أو العقل هو مصدر المعرفة أم كلاهما أو غيرهما، وهل التحقيق أو التفسير أو التنبؤ أو التخطأة .. إلخ هو معيار علمية المعرفة الحقيقية أو لا. .. وهؤلاء جميعاً  أو أغلبهم كانوا فلاسفة بالدرجة الأولى (الوضعية المنطقية .. كارل بوبر ..) ممن لم ينخرطوا بالعلم، ولم تنغمس أيديهم في مياه الفيزياء ولم يسبحوا في تياراته المارجة، ولم يعلموا بما يجري في طرقاته ومتاهاته، ولا بما يصيب العلماء من معاناة وآلام الدوار العلمي وفقدان التوازن، والضبابيات الغامضات من المعاني، وانغلاق الطرق، والتواءاتها وانسدادها .. إلخ .. وما وراء ذلك من خروج ونور، أو تيه وضلال!!
إلى أن نوى أحد الفيزيائيين التحول إلى فلسفة الفيزياء من خلال الواقع التاريخي لها، لا من خلال أوهام العقل الفلسفية في ابراجها العاجية، وكان من الذين ذاقوا من هذه الأهوال العلمية بعض الشيء، وعلم بغالبها من خلال دراساته في تاريخ الفيزياء العلمي الواقعي، وكيف يمارس الفيزيائيون حياتهم العلمية عن كثب.
هذا الفيزيائي والعالم بتاريخ الفيزياء – من واقع تجربته كفيزيائي ومؤرخ في العلم - هو توماس كيون Thomas Kuhn. وخرج ثمرة عمله في كتابه "بنية الثورات العلمية 1962 the Structure of Scientific Revolutions. والذي أحدث ثورة حقيقية منذ صدوره وقلب موازين المتفلسفة رأساً على عقب.
وماذا كانت النتيجة؟!
.. مَثَّلَ هذا العمل تهديداً حقيقياً لمعتقدات فلاسفة العلم في القرن العشرين عما كانوا يتوهمونه عن سيرورة العلم وكيف ينشأ وينمو ويتطور. وذلك على النحو الآتي:
1- أن صناعة العلم ليست تلك الصناعة العقلانية التراكمية التي توهمها الفلاسفة.
2- أنها ليست رتيبة التطور، بل تمر بمراحل سيادية paradigms دوجمائية، فإذا تراكمت عليها المشاكل، تفجأها مراحل ثورية Scientific Revolutions عاصفة، ثم تهدأ إلى مراحل سيادية جديدة مفارقة للأولى، رتيبة، تسودها النظامية منتصرة، والتي تُرتب الصورة الجديدة حسب رؤيتها. وتستخف بما مضى أو تؤخره، .. ثم تطرأ عليها مشاكل جديدة فثورة جديدة .. وهكذا.
3- أن مفاتيح القبول فيها ليست العقلانية بالضرورة، ولا القيمة والنفعية العلمية وحدها، بل الإجماع الفئوي لجيل الثوار وثقافتهم بعينها ومريدوهم الذين يصنعوهم على أيديهم.
4- أن سقوط مرحلة سيادية وحلول أخرى يتم عبر معايير مختلفة، وأن المقايسة بين تلك المراحل متفاوتة وأغلب أحوالها أنها متغايرة. وأقوى التشبيهات على هذه التعاقبات من المراحل العلمية، هو التعاقبات السياسية، وما بينها من تحولات ثورية، وفوت الـمُلك والسيادة من دولة إلى أخرى.
وماذا كانت نتيجة كتاب الثورات العلمية الذي كان هو نفسه ثورة علمية بحق، في كشفه أوهام الفلاسفة المثالية العقلانية، من ذوي الأقلام الذهبية والأبراج العاجية كما هو عهدهم منذ أرسطو وأفلاطون؟! ... كانت النتيجة أن نشأ علم جديد قيم ومحترم، هو علم تاريخ العلوم، يعالج الواقع العلمي وآلامه، والذي كان قبل ذلك شذرات ونتف ومقالات عابرة أو مؤلفات غير مؤسسة لعلم متكامل. فأصبح تاريخ العلم وتطوره، علماً تجريبياً واقعياً بعد أن كان من سموا أنفسهم بفلاسفة العلم، قد جعلوا منه أحلام عقلانية فلسفية وهمية تعيش في الخيال العقلاني، وحسبما تكتبه القوى الثورية العلمية المنتصرة بما يرسخ دوجمائيتها الجديدة، وبما تقتات وتتطفل فيه الفلسفة على العلم المنتصر في ثوراته، الذي كان قد أزاح الفلسفة والفلاسفة من سلطان الفكر العالمي الذي كانوا يحتلونه على مدار ألفي عام.
ما معنى ذلك؟!
معنى ذلك أن ما قاله خصمي:
لو أن صاحبنا (صاحبنا) درس شيئا من علوم العقيدة ومدارس الفلاسفة والمتكلمين، لأدرك – من فوره - لازم قوله هذا:
لذلك لا تجد من العلماء العاملين من يهتم بفلسفة العلوم، إلا من كان صحاب فلسفة خاصة أراد أن يدعمها زوراً بالعلم، أو من تقاعد من ممارسة العلم، وفرغت جعبته من العطاء، فراح يرتاد مقاهي فلسفة العلوم، أو يتسكع في طرقات مدينة العلم، مخادعاً نفسه وغيره أنه ما زال من أهلها! .. أما العلماء الحقيقيون، فتجدهم في المعامل، والمراصد ومواقع التنقيب، ... 
كان كلامه في وادي، وما أردت بيانه من حقيقة العلم وتاريخه الواقعي كما بينته كتاب الثورات العلمية – المتمثل في تاريخه - وعبثية المتفلسفة ... في وادي آخر. .. فالفقرة التي أدرجها خصمي، كنت أتكلم فيها عن تجربة كتاب بنية الثورات العلمية، وكيف انهارت فلسفة العلم التي أنشأها الوضعيون المناطقة وكارل بوبر .. وظننت أن من أحاوره يعلم شيئا شائعا عن العلم الذي يتكلم فيه، حيث أن هذا الكتاب شديد الشيوع حتى أنه له عدة ترجمات عربية أعلم منها اثنان. .. وبدلاً من أن يؤآزرني في ما أخبره عن حقيقة ما حدث لفلسفة العلم، يتبين لي، ليس فقط أنه لا يعلم عم أتكلم، بل يقرن كلامي بـ (علوم العقيدة ومدارس الفلاسفة والمتكلمين) .. ما هذا ... نتكلم في فلسفة العلم الطبيعي المعاصر، وأقص عليه مأساتها وخيبة أهلها، فيزن كلامي بـ (علوم العقيدة ومدارس الفلاسفة والمتكلمين) المنقولة إلينا نقلاً من قرون كثيرة خلت...!!! .. وليت أن كلامه جاء على صورة استعلام، أو استشكال، أو استغراب يستفهم منه ما أقوله ولا يعلمه، بل جاء على صورة متعالية في العلم - وكأنه قد حاز العلم من أطرافه - ويَسخر ممن سواه ويقول (لو أن صاحبنا (صاحبنا) درس شيئا من ....) .. ماذا أقول إلا أنها مأساة سلفية فلسفية ... يعيد فيها من يتزعمها طبخ ما فسد من طعام الفلسفة.. الذي حط شيوخ الفلسفة قبل قرون كثيرة منها حطاً .. وفضحوها فضحا .. وكان لهم في ذلك حقاً ... وعاد صاحبنا ليحيي ميتاً ... ظناً منه أنه به سينتصر على العلم الذي يختلف هو معه ... وما درى أن الفلسفة أضعف من أن تعود لتنتصر لنفسها على العلم المحقق، فضلاً عن أن تنتصر لأهل دين خاصمها مئات السنين.
- وبعد أن عرف القارئ ما وصلت إليه الفلسفة العلمية المعاصرة من مأزق منذ ستينيات القرن العشرين يتبين أن قول خصمي:
لا يريد حتى أن يعترف بأن جدالي معه ها هنا إنما هو جدال في مذهب فلسفي أصولي ومنهج نظري كلي، وأن الجدال في هذا لا يكون إلا بأساليب العلوم العقلية التي يضربها جميعا بمضرب السفسطة، مشابها في ذلك – من حيث لا يشعر - طريقة الملاحدة الماديين الطبيعيين الذين لا تأتيهم بالرد العقلي على شيء من دجلهم إلا قالوا لك: "الفلسفة سفسطة كلها والمنطق لا يعول عليه، فلا نلتزم إلا بأدلة العلم التجريبي القطعي"! فلا هم عقلوا ما الفلسفة وما المنطق، ولا أدركوا ما حدود القطع والظن والترجيح الاحتمالي عند النظر في المشاهدات والتجريبيات بأنواعها، ولا أتوا في أمرهم بشيء يقبله العقلاء الأسوياء!
ليس إلا خبط أطباق، وجمع فرقاء، وتسخيف القيم، وتقييم السخيف.
فما علاقة المذهب الفلسفي (المعاصر المتجمل بالعلم) الذي عماده العقل المجرد بالمذهب الأصولي (أصول الفقه) الذي عماده النقل عن الله تعالى ورسوله؟! ... وماذا يقصد بالمنهج النظري الكلي؟! - لا أجد له من معنى إلا أنها طبخة من هذه الاصطلاحات جميعاً يظن بها أنه يؤصل ما بين فلسفة العلم الغربي – المتأزم على نحو ما رأينا – والإسلامي السلفي، .. وعلى نحو لا يمكن قبوه السلفيين المحافظين به، إلا أن يكون يقود ثورة عليهم من حيث لا يدرون .. وما أظنه يستطيع على نحوٍ مكشوف ..إلا أن يظن أنه بذلك المنهج سيهدم أعداء الملة من الفكر الطبيعي المنحرف (كشف خرافات الطبيعيين – بلسان كتابه)؟!
- أما تشبيه لي بالملاحدة في قوله: 
مشابها في ذلك – من حيث لا يشعر - طريقة الملاحدة الماديين الطبيعيين الذين لا تأتيهم بالرد العقلي على شيء من دجلهم إلا قالوا لك: "الفلسفة سفسطة كلها والمنطق لا يعول عليه، فلا نلتزم إلا بأدلة العلم التجريبي القطعي"!
أ... فإن قال الملاحدة ذلك وتنفسوا أكسجين الهواء وشربوا الماء إذا عطشوا .. وتناولوا الطعام إذا جاعوا .. ونبذوا السفسطة ... وصدقوا بالعلم التجريبي .. فكل هذا لا بأس به .. أما إن رأى أن في أي من هذا الذي ذكره والذي زدته عليه، شيء يرتبط بالإلحاد من حيث هو إلحاد .. فأقول للقارئ أن هذا إلباس الحق بالباطل .. وتحريض وتشويه للمعاني ولشخصي بما لا شبهة فيه عليّ إلا بهتان من قائله. فالفلسفة المتسفسطة يجب نبذها ... والتجريب المختبر والمحقق يجب تصديقه، وهذا من دواعي بقاء الفكر ناضجاً واعياً مستبصرا، مثلما أن الأكسجين والماء والطعام من دواعي بقاء الحياة صحية ندية. .. ومن بغّض الناس في التجريب وصدقه وحبب إليهم الفلسفة وسفسطتها، فهو قائد بهم إلى الضلال، وما إدراجه لفظ الملاحدة إلا سعياً منه إلى تنفير الناس وبما يكشف عن تدليس وافتراء، وتشبيهاً للحق بالباطل، .. بل أحرى به .. أن يُسمى دجلاً ومكراً .. يتنكر برداء العلم.
- وأما قوله: 
ماذا تنتظر ممن يخوض في الفلسفة ولا يدري أنه خائض فيها، وأنه متلبس بأغاليط فلسفية قد سبقه إليها من "المتفلسفين" من سبق؟ لن أنبهه إلى لازم قوله هذا، لأن المفترض أن المقام مقام مناظرة بين قرينين متكافئين!
فمن الواضح أنه يفهم من تناولي لنفس المسائل التي يقرأها في بعض ما اطلع عليه في كتب الفلسفة أن كل من يعلم بها أنه خائض في الفلسفة ... وهذا فهم خاطئ عند كثير من الناس. فليس كل من أمعن الفكر في مسألة من مسألة الخلق، أو التنظير، أو السببية أو التعليل .. إلخ  هو بالضرورة خائض في الفلسفة ... لأن موضوعات الفكر مشتركة بين الناس وإن اختلفت مشاربهم العقائدية والتعليمية والعلمية. .. وما لم يفطن إليه صديقي أن المتفلسف أو الخائض في الفلسفة هو فقط من يخوض فيها متدلياً مما يسميه سماء العقل المجرد ... أي من كان عمدته وقائد زمامه هو العقل. أما من انطلق من أصل حقيقي موضوعي ذو جذور حقيقية، فهو ليس بمتفلسف وليس بخائض في الفلسفة ... وأي ادعاء عليه بذلك افتراء مفضوح لمن يدعيه. .. ولكي أشرح العلاقة واضحة جلية سواء لصديقي الذي لا يعلم هذا الفروق اللطيفة، أو للقراء المعرضين للوقوع في حبائل كلامه المشوش في معاني الفلسفة والأصول .. أدرجت الجدول الآتي:  

يحمل تصورات
مصدر التصورات
أدوات التحليل
العلم الشرعي
النقل
الاتباع + اللغة
العلم الطبيعي
الطبيعة
العقل+التجريب+الرياضيات
الفلسفة
العقل
اللغة+المنطق
السلفية المتفلسفة
النقل+العقل
الاتباع+اللغة+المنطق
التفسير العلمي           (فقه الكونيات)
النقل+الطبيعة
العقل+اللغة+التجريب+الرياضيات
جدول1: يظن الكثير من الناس أن وجود تصورات ذهنية يجعل الإنسان متفلسف، وهذا غير صحيح، والصحيح أن المتفلسف هو من كان مصدر تصوراته العقل وليس إلا العقل. أما من اعتمد مصدر معرفة حقيقي، فهو ليس بمتفلسف، بل عالم شرعيات إن كان من علماء الشريعة، أو عالم طبيعيات إن كان من الدارسين التجريبيين للطبيعة، أما صاحب العقل المجرد المتفرد به فهو المتفلسف المتسفسط، الذي يهذي بما لا أصل له مما يسميه العقل والأصول العقلانية!!!
فالتخصصات المبينة في العمود الأول، تشترك جميعاً في محاولة تصور الكون والحياة والشهادة والغيب .. إلى آخر رغبات الفكر الساعية إلى الفهم وبما تدفعها إلى ذلك مطارق الفضول المعرفي. لذلك أظهر العمود الثاني أن جميع هذه التخصصات لها تصورات عن كل مسائل الفكر بلا استثناء. بمعنى أن من يفكر في موضوع ما مما هو وارد في كتب الفلسفة، ليس بالضرورة أن يكون متفلسفا، ولا خائضاً بالفلسفة. فكل الناس تطرح نفس الأسئلة وخاصة الأطفال .. فهل الأطفال خائضون في الفلسفة؟!!
ويأتي العمود الثالث والرابع ليميز بين هذه التخصصات الفكرية في معالجة تلك التصورات، من حيث مصادرها المعرفية، وأدواتها التحليلية. وكل من له عينان يرى أن المتفلسف الجدير بهذا الاسم "السيء" على انفراد هو من يعتمد مصدر المعرفة عنده (العقل) وليس إلا (العقل). ... أي أن المتفلسف يسأل عقله، وفقط عقله ليجيبه عن كل تساؤلاته بلا استثناء، ولا يسأل غيره، إلا ما اصطحبه معه في نشأته الإنسانية من معلومات دخلت من منافذه الحسية رغم أنفه! ولو كان ممن يكره التجريبيات لمنعها إن استطاع. وليس للمتفلسف من آليات تحليل إلا اللغة والمنطق .. ويبرز هذا بوضوح صارخ في أصحاب الفلسفة العلمية في القرن العشرين الذين حملوا اسم "الوضعية المنطقية".
أما صديقنا أبو الفداء فقد صنعت له تصنيفاً خاصة به، لأني راعيت أنه مؤمن بالوحي مع العقل – وهو أمر لم يراعيه معي، ولا مع الطبيعيين من المسلمين، ودفعه ذلك إلى إدراجه لي ولهم مع الملاحدة إدراجاً صريحًا وبلا حياء. .. وفي تصنيف أبو الفداء، الذي سميته بالجدول: "السلفية المتفلسفة"، يجد القارئ أنه ليس إلا جمعاً لتصنيفي أصحاب العلم الشرعي، وأصحاب الفلسفة.
أما التصنيف الذي أؤيده، فلم أجد له محلاً إلا أن أصنعه بما يمليه عليه حالي الذي افخر به لأنه مؤيد في النهاية بالوحي، ومدفوعاً إليه به. وسميته بـ "التفسير العلمي"، وهو يجمع بين العلم الشرعي والعلم الطبيعي. .. ومنه يتضح أن العقل عندي ليس إلا أداة تحليل، وليس بأصل معرفي أبداً. وأعتبر من يتخذه مصدراً معرفياً مُهلكاً نفسه، لأن العقل لا يمتلك معرفة مستقلة. فالمعرفة مكنونة في المخلوقات، وفي علم الخالق جل وعلا من قبل ومن بعد، فأنّى للعقل أن يتحصل عليه، ويدعيه لنفسه؟! ... ومن صدّقه .. فهو مُضلُّه لا محالة.
لكل ذلك فأنا لست خائضاً في الفلسفة كما زعم خصمي، ولا أحمل أغاليط فلسفية لأني لا أؤمن بأقوال الفلسفة المستمدة من مصدرها المعرفي الكاذب المتجمل عندهم بإسم العقل. .. أما قوله (لن أنبهه إلى لازم قوله هذا، لأن المفترض أن المقام مقام مناظرة بين قرينين متكافئين!) فأحمد الله أنا لسنا متكافئين. لأنى أرفض أن أتلبس بترهات الفلسفة، لا حقيقة ولا تدليساً على الناس، حتى أستدرجهم بإسم الفكر العقلاني، ثم أسمُهُم السب بأن أفكار الفئة الفلانية تخاريف (كما في كتابه "آلة الموحدين لكشف خرافات الطبيعيين")، اعتماداً على أدلة فلسفية خاوية من إقامة أي حجة على عمومية عنوان الكتاب القاتلة (باصطلاح خصمي). .. وهي سياسة خصمي المكشوفة .. والتي يسعى إلى مداراتها .. يظن بنا وبالناس الغفلة عما يفبركه من معسول الكلام المسموم، سواء درى أو لم يدرِ أنه مسموم.
- وأما قوله: 
قد تبين لكل قارئ فطن أنه مفتون من جملة المفتونين، لا يقبل الاعتراف بأنه ما من باحث تجريبي يدخل المعمل أو المرصد إلا وهو مستصحب في بحثه – لا محالة – جملة من الأصول العقلية الكلية والمقدمات المبطنة والتصورات الميتافزيقية.
فقد جعلني أشفق عليه حقاً، وهذه هي الأسباب:
1- أن هذه الصفة - أي: اصطحاب الإنسان خلفيته الثقافية حيثما يحل- صفة إنسانية عامة، سواء كان الإنسان باحثاً تجريبياً، أو طالباً شرعياً، أو مؤمناً بالإسلام بعد جاهلية، أو متكلماً بلغة معقودة بثقافتها. وكل هؤلاء يمرون بتجربتهم الجديدة حاملين معهم تجاربهم القديمة أو ثقافة مجتمعهم أو ثقافة لغتهم . .. وقد عالج الإسلام هذه المسألة بما لم ينتبه إليه إلا قلّة من العلماء. ومن خلص من هذا الداء المعرفي وبرأ منه براءة تامة كان النبي صلى الله عليه وسلم .. وهذه البراءة هي صفة "الأمية". .. وهذا هو معنى "النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ". وقد برأ منها صحابة النبي بما كان لمجتمهم من بُعد عن الثقافات المعرفية القديمة لحدِّ ما، إضافة إلى تصويب النبي لتصوراتهم، وهذا هو معنى قوله تعالى "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ". (يراجع في ذلك دراسة: " فضيلة "الأُمِّية" وبراءتها من يقين الحساب الفلكي في رؤية الهلال"). ومع ذلك فإن هذه البراءة ليست تامة في عموم المسلمين، كما أنها باقية في الناس، وقد يدخل ذلك في معنى قول الله تعالى "وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ"(يوسف:106) – أي مشركون في عقيدتهم في الله تعالى ودينه ما ليس منه، وذلك بتأثير ثقافات احتملوها على الدين وما هي منه.
ويرجع لهذه الثقافات الدخيلة على الإسلام عند المسلمين، بما ورثوه من سابق لغتهم وعلومهم، أو ما تعلموه ممن جاورهم وقابلهم، ما أثر سلباً على معاني القرآن في الطبيعيات، وتصور السماء والأرض، والشمس والقمر، والنجوم والكواكب .. إلخ .. ومعنى ذلك أن ما اتهم به خصمي أصحاب العلوم الطبيعية لا يسلم منه أصحاب الأديان، فهل يدع الناس الدين لأن الأفكار الباطلة المختلطة، قد تشوب الدين؟! .. فكذلك التجريبيات، لا يقبل عاقل أن يرفضها الناس، لأن ثقافات دارسوها السابقة قد تُداخلها، وتشوش معانيها.
2- إن هذا الذي تمحَّك به خصمي لرفض التجريبيات، لو صدق في كونه علة الرفض، لكان عليه أن يرفض كل علم آخر، لأنه لن يسلم منها شيء، لأنها كما ذكرت، خصيصة إنسانية. وما أظنه يقبل ذلك، فلماذا يقبلها مع غير التجريبيات ويحتج بها لرفض التجريبيات على الخصوص؟! .. إلا إذا كان رفضه لها مُتعمد، وحجته ليست إلا تلاعب بالأدلة، عن انتباه ووعي، أو دونهما!
3- وإن تحرَّج أحد من تعميمي الذي أقول فيه بتأثير الثقافة الإنسانية القبلية على كل ما يتعلمه الإنسان، من دين أو علم، بما يجعل من الصفحة المعرفية للإنسان دائماً أبداً ليست ناصعة البياض، فيبقى العلم الجديد خالصا مما يشوبه، .. فإذا كان ذلك كذلك فيكون هناك معضلة لا حل لها، .. ومن ثم يكون استغرابها استدلالاً على خطئها. أقول: لا. لأن الله تعالى جعل لها آلية يمكن بها محو أذاها، كما خلق الله تعالى فينا ما يمحو أذى الدنيا من مكروهات، .. وأقصد بذلك آلية "الاختلاف" التي جعلها الله تعالى بين الناس "وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ".. أي أن اختلاف الناس، واعتراضهم بعضهم على بعض في العقائد والأديان، والعلوم هو الوسيلة الضامنة لكشف تشويش الحق، بما يراه الخصوم البرءاء من ذلك التشويش. فينقي التحاجج بين الناس التشويشات، بما يختلفون فيه. فيظهر لكل من اختلط عليه أمره، صادق دينه وعلمه مما شابه من إشكالات. فيُطهر الصادق معتقده ومعلمه، إلا من عاند وكابر، فيضله الله بعناده واستكباره. .. لذلك امتدح الله تعالى من يبرأ من الخلاف بعد الخلاف "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ"
فالأمر إذا على خلاف ما ظن خصمي .. ولا أحتاج إلى الرد على أذى كلامه حين قال: (قد تبين لكل قارئ فطن أنه (يقصدني) مفتون من جملة المفتونين).
كما أني أعترف بأنه ما من باحث تجريبي  يدخل المعمل أو المرصد (أو مؤمن بدين – إسلام أو غيره أو علم أو ثقافة جديدة) إلا وهو مستصحب في بحثه أو دينه أو علمه الجديد – لا محالة – جملة من الأصول العقلية الكلية (الموهومة) والمقدمات المبطنة والتصورات الميتافزيقية (الكاذبة).
- والسؤال الذي يفرض نفسه: ما الذي جعل أبا الفداء يقصر هذا التشويش الثقافي على التجريبيين الطبيعيين دون سواهم من الباحثين العلميين في أي تخصص كان؟! .. لا يبدو لي من إجابة إلا أنه متحيز .. وتدفعه دوافع ليس بريئة بحثياً غرضها التنكيل بالخصوم ... وهي من الشوائب الثقافية التي يجب أن يتجرد منها الباحث .. أي أنه في تهامه للتجريبيين بعدم البراءة العلمية، يقع في عين ما يتهم به خصومه!!!
- وأخيراً حول قوله: 
يتصور أن كلامي هذا (في قيام العلم الطبيعي على أصول فلسفية كلية، يرد عليها الحق والباطل والصواب والخطأ) يلزم منه أن يكون العلم نفسه عبثا وسفسطة! ولا يدري – هداه الله - أنه قد وافق الفلاسفة الماديين الوضعيين بتصوره هذا في أصل من أصولهم!
فد جمع فيه بين سوء التحليل، والافتراء.
أما سوء التحليل، فهو أني لم أتصور ما يذكر، كما قال! .. وإنما أنا أخطئ قوله بقيام العلم الطبيعي على أصول فلسفية وأرجعه إلى عدم علمه بتاريخ الفيزياء. وقد ذكرت له أن العروض العلمية للنظريات يتم حبكها كعروض مسرحية، وذكرت له أمثلة عملية تحليلية مُفصّلة على ذلك من قبل، ومنها النظرية النسبية والنظرية الكهرومغناطيسية (مداخلة # 50) .. وأعلم أنه بعيد عن هذه الخبرات، وأنه بنى كلامه الذي فندته على تصيد أخطاء الطبيعيين مما ينقله من كلام فلاسفة العلم. .. وقد فند توماس كون كلامهم،  كما فندت أنا كلام أبي الفداء ابن مسعود. والعلة واحدة .. عدم علم المتفلسفة بالتفاصيل التاريخية، وبناؤهم تحليلاتهم على قواعد فلسفية كلية كتلك التي يعيبونها على التجريبين، رغم خلو ساحة المتفلسفة من تجريب يعايرون به حقيقة قولهم كما هو الأمر عند التجريبيين. أي أن بيوت المتفلسفة من زجاج هش، أما بيوت التجريبيين فمن حجر صوان، ومع ذلك يتجرأ المتفلسفة على العلم التجريبي جرأة يُحسدون عليها. 
غير أني، وإن كنت أنكر وأدحض القول بقيام العلم الطبيعي على أصول فلسفية كلية، إلا أني لا أنكر أنه قد يشوبه أفكار مسبقة – كما ذكرت في الفقرات السابقة- يحملها الباحث معه ويضفيها على الحق في العلم الطبيعي، فيخلط بين الحق والباطل. ومثله في ذلك مثل أهل الإيمان، وأهل العلوم الأخرى غير الطبيعية، لأنها خصيصة إنسانية، وليست خاصة بالعلوم الطبيعية. وعليه فلينتبه القارئ بين القولين: (يقوم علم كذا على أصول فلسفية...) أو (يتشوش بأصول فلسفية ..) لأن الأمرين مختلفان تماماً. والأول هو التفلسف بعينه دون خلاف، وليس إلا التفلسف، وأياً كان موضوعه .. أما الثاني فيقع فيه كل إنسان بقدر تشوش صفحته الذهنية بالشوائب الثقافية، وبما يحرمه بقدرها من التجرد العلمي، وهذه الصفة يتفاوت فيها الناس تفاوتاً هائلاً، ولا يبرأ منها إلا من أخلصه الله تعالى.
- أما قوله: أن حكمي على موقف خصمي نفسه من العلم ليس إلا (عبثا وسفسطة!) ففعلاً أنا أرى ذلك، ولكن ليس لأنه يدعي قيامه على (أصول فلسفية كلية) كما أساء التحليل، وإنما لأنه ينكر التجريبيات وصدقها. وكل من يفعل ذلك، فإنه ينكر الدليل العملي على صدق أي تصور في عالم الشهادة. فالتجريبيات والحواس هي الحكم في صدق المتكلمين من كذبهم فيما يُخبرون عن الواقع، فكيف به ينكر تحقيق أقوال الناس باختبار صدق كلامهم في الواقع .. وهذا من أعجب العجب، وأبعد التصورات عن رائحة العلم المحقق، الذي ما قام إلا على التحقيق التجريبي في مزاعم الناس المعرفية.
وأخيراً حول الافتراء، وقوله عني: (ولا يدري – هداه الله - أنه قد وافق الفلاسفة الماديين الوضعيين بتصوره هذا في أصل من أصولهم!) وذلك عندما أتهمته برؤيته السابقة للعلم بأنه عبث وسفسطة .. ويبدو أنه لا يعلم أن القول بصدق التجربة ليس فقط عند الماديين الوضعيين positivist، وأنهم ليسوا إلا فئة خصة من فئة أعم هم الإمبريقيين empiricists، وأن هؤلاء في تصديقهم التجريب، بعض من كل، وأن هذا الكل يسمون الواقعيين realists. !!! وهذا النطق الثلاث جميعاً تصدق بالتجربة كما أصدق بها .. فلماذا ألحقني بأخصهم ولم يلحقني بأوسطهم أو بأعمّهم؟! .. ألم أقل أنه متحيز، ويتصيد التخطئة ... ثم أن المؤمنين بالقرآن يصدقون التجربة، وإلا لما استشهد الله تعالى الحواس على صدق القرآن، ألم يقل الله تعالى " فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ" .. وقد نبهته على ذلك من قبل فلم يلتفت، .. وأعرض. .. وما علينا إلا البلاغ المبين .. أللهم قد بلَّغت .. أللهم فاشهد.
(# 86[متابعة الرد على مداخلة # 35]

قال أبو الفداء: 
من الطريف أنه يقول:
" وآمل ملاحظة أن معدل التجريح الصريح يتناسب عكسياً مع القوة الحجاجية، وهذا أحد المؤشرات التقييمية في المناظرات".

ولا أدري حقيقة ما دليله على ذلك "المؤشر" المزعموم! أهو استقراء وقف عليه أم استدلال قياسي؟ بل أحسن من هذا أقول: هذه القاعدة نفسها، تراها "فلسفية" أم "علمية"؟ إن كانت فلسفية فدعك من "العبث"! أنت رجل "علم" فلا تلتفت إلى "المتفلسفة" هؤلاء ولا تشغل بهم بالك! خلك في معملك ومرصدك، واذهب مع القوم إلى حيث يأخذونك، أو كما يقول الفيزيائي "ريتشارد فينمان" في مقولته المشهورة: اخرس واحسب Shut up and calculate! ]
أقول:
حقاً إنها طريفة هذه الفقرة من كلام خصمي.
وعن سؤاله التهكمي (لا أدري حقيقة ما دليله على ذلك "المؤشر" المزعموم! أهو استقراء وقف عليه أم استدلال قياسي؟ بل أحسن من هذا أقول: هذه القاعدة نفسها، تراها "فلسفية" أم "علمية"؟ إن كانت فلسفية فدعك من "العبث"! أنت رجل "علم" فلا تلتفت إلى "المتفلسفة" هؤلاء ولا تشغل بهم بالك! خلك في معملك ومرصدك، واذهب مع القوم إلى حيث يأخذونك) ..
فقد أجبته عليه في (مداخلة # 36)، وقلت:
(أجيبه أن هذا المؤشر استقرائي، وأن أخر عينة تؤكده صحته هي المداخلة الأخيرة نفسها (# 35)، حيث وصل عدد التجريحات إلى (ما يقارب 20 تجريح) وهو العدد الأقصى في كل مداخلاته، ووصل عدد حججه ذات القيمة إلى أدنى حججه على الإطلاق، وأظنه صفراً، لأني لم ألحظ أي حجة ذات بال مع القراءة المتأنية. أما أول مداخلاته التي علقت عليها، فكانت النسبة منعكسة، وهذا ما دفعني إلى محاورته. ... وهذا دليل عملي على صحة الاستقراء .. بأن من فرغت حجته، لم يجد إلاّ تجريح خصمه، إلا من عصمه الله تعالى من ذلك.)
وعن سخريته وقوله: (تراها "فلسفية" أم "علمية"؟ إن كانت فلسفية فدعك من "العبث"! أنت رجل "علم" فلا تلتفت إلى "المتفلسفة" هؤلاء ولا تشغل بهم بالك! خلك في معملك ومرصدك، واذهب مع القوم إلى حيث يأخذونك)
فأجيبه أن المؤشرات الاستقرائية المستخرجة من بيانات إحصائية من هذا النوع "علمية" وليس فلسفية. لذلك لا تجد أهل الفلسفة أصحاب "العقل المجرد" يولونها اهتماما، وربما يمرون عليها ولا يرونها، أو يسخرون منها إذا فوجئوا بطرقها أبواب آذانهم، بما يدلل على ضعف مؤونتهم على فهمها .. لأنهم يبنون أحكامهم على أصول كلية لا تُعْنَى بالتفاصيل اللطيفة والمعاني الرهيفة .. وقد هبطت عليهم هذه الأصول العمياء من سماء "العقل المجرد" الذي يقدسونه .. وربما يشركونه مع الله، سبحانه وتعالى عن ذلك. .. لذلك .. إذا سمعوا بهذه المعاني تراهم يتعجبون .. ويسخرون .. ويتهكمون .. فيضحك على ضحالة أصولهم أهل العلم. ويُرثون لهم، ويشفقون على ما آل إليه حالهم بعد زوال ملكهم مجدهم. .. أما المذبذبين بين الدين والفلسفة .. فأمرهم أشد رثاءا, وأدعى للشفقة!!! .. يتمسحون بالفلسفة وما هم من أهلها .. وربما أن مؤنتها كلام .. فخف عليهم حملها .. وجلبابها فضفاض .. فسهل عليهم دس المعاني المتناقضة في جوفها .. ولا نقد يخشى منه لها .. فهم في أمان. لأن من ينقدهم  ..كان عندهم – كما قال خصمي- متفلسفاً أيضاً كمن ينقده!!! .. فلا غالب ولا مغلوب، وكلٌّ كاسرٌ مكسور .. وهي أشهر عبارات التوبيخ التي أطلقها أهل السنة والجماعة على المتفلسفة!!!
أما أشد العبارات التي استحضرها خصمي طرافة فهي قوله لي:
(واذهب مع القوم – يقصد أصحاب الرصد والتجريب والحساب- إلى حيث يأخذونك، أو كما يقول الفيزيائي "ريتشارد فينمان" في مقولته المشهورة: اخرس واحسب  Shut up and calculate!  .. (يُعرِّض بي).
وقد أضحكني تعريضه .. ما لم تضحكني حُجّة أشد الناس تزاكي مفضوح في تاريخ العلم .. أيعلم القارئ لماذا؟! ... لأن فاينمان – صاحب عبارة "إخرس واحسب" الشهيرة – التي أوردها صديقي العزيز وهو لم يقف على معناها – أراد منها فاينمان أن على الفيزيائين ألا يلجأوا للكلام لجوء الفلاسفة له. وأن أصل عملهم بعد التجريب، ورصد النتائج، التنبؤ على أساسها بالحساب، وهو الشيء الذي مدحه الله تعالى في كتابه في قوله سبحانه "هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" .. لأن الحساب والقدرة عليه، هو ثمرة العلم. ... ومعلوم أن أهل الفلسفة لا حساب عندهم، وما يستطيعون. لذلك أراد فاينمان أن يعلم صبيان العلم أصوله. ومنها ألا يكثروا من الكلام إلا ما يلزم إجراء الحساب بعد الرصد والتجريب. .. لذلك قال لهم "إخرس عن التفلسف واحسب" .. وآخر ما كنت أتوقعه أن يستشهد بهذه العبارة متفلسف .. فيسب نفسه .. من حيث أراد التعريض بخصمه !!!
(# 87[متابعة الرد على مداخلة # 35]

قال أبو الفداء: 
والأخ (يقصدني!) لا يزال – مع كل هذا النزاع الفلسفي والأصولي العريض - مصرا على استدراجي إلى الجدال في قضية جزئية لو فهم عني ما قدمت تحريره من قضايا عقلية كلية في بابها لأدرك أن مجرد الخوض فيها خروج عن موضوع الشريط وعن محل النزاع بيننا! فأنا أجادله في منهجه في التلقي المعرفي في تأويل النص القرءاني أولا، ثم في قضايا الغيب المطلق وحدود التنظير الطبيعي ثانيا، وهو مع هذا يظن أنه لو أثبت أن الأرض تدور فقد نصر منهجه الكلي ومسلكه النظري في ذلك كله! فسبحان من يرزق العقل والفهم كما يرزق الطعام والشراب!
أقول:
مسألة دوران الأرض ليست قضية جزئية منفصلة عن علاقة القرآن بالعلم. بل هي لازمة من لوازم تصوُّر المؤمن في القرآن الناظر في الخلق، ليحقق كلام الله تعالى "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ" وقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية:[لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها](صحيح بن حبان). وتحقيق مسألة حركة الأرض بيني وبين خصمي - الذي ينكرها بناءاً على أصوله الفلسفية المزعومة – تكشف خواء تلك الأصول. بمعنى أنه يحاكم (منهج التلقي المعرفي في تأويل النص القرءاني أولا، ثم في قضايا الغيب المطلق وحدود التنظير الطبيعي ثانيا) إلى أصول فاسدة. ودليلي على فسادها أنها تؤدي إلى مناقضة الواقع إذا طبقناها على حركة الأرض كمثال، ووراء ذلك أمثلة لا حصر لها ...!! لذلك هو يهرب من أول مثال، بهذه العبارات الالتفافية الفضفاضة، وليس لأن هذه المسألة منفصلة عما نتحاور حوله!!! .. فما بالنا لو خضنا باقي الأمثلة لنرى إلى أين تؤدي بنا تلك الأصول التي ما أنزل الله بها من سلطان، لا في النقل ولا في الخبرة المحققة التي لا يعول خصمي عليها إطلاقاً .. وكل ما عنده "العقل المجرد" والاستدلال العقلي .. وكأننا ما زلنا في العصور الوسيطة أيام فلسفة اليونان وعبثياتها. والغريب أن ينهي عبارته بقوله: (فسبحان من يرزق العقل والفهم كما يرزق الطعام والشراب!) يقلب الميزان بزخرف الاتهام .. ويظن أن القراء سُذّج أو غافلين ... وأنهم سيخفى عليهم هذا المكر الفكري!! .. وممن؟! ... مِن مَن ينتسب إلى سلف الأمَّة؟! .. 
(# 88[متابعة الرد على مداخلة # 35]

واختتم أبو الفداء مداخلة انسحابه #35 بقوله: 
..  قد نصحتك بما عندي ونبهتك إلى اختلاط منهجك وتضارب أصولك واشتباه قواعدك، ولا أرى مصلحة شرعية في بذل المزيد من الوقت والجهد في إفهامك ما تصر على تجاهله من قضايا كلية ومنهجية قد بات من الواضح جدا أنك لا تضبطها! ولن أخوض معك في مسألة دوران الأرض هذه لأن خلافي معك أعمق - منهجيا - من هذا، كما أحسب أنه قد تبين للقارئ الكريم. فإن لم نتفق فيما بين يدينا من أصول كلية، فما الذي تحرزه أنت في مواطن النزاع بيننا إن أثبت دوران الأرض؟ سلمت لك تنزلا بأن الأرض تدور تحقيقا وأنها ليست ثابتة في مركز الكون، فكان ماذا؟ لم تتمكن من الجواب عن أسئلتي، ولم تفهم أجوبتي عن أسئلتك، وتصر على تمرير تأصيلاتك الفلسفية وتسفيه من يخالفها وكأنه يحارب العلم نفسه، مع إغراق خصمك بالخطابيات الرنانة والتهاويل المدوية، فما المطلوب مني الآن؟
أقول:
يعلم أبو الفداء ابن مسعود أن مسألة دوران الأرض تفسد أصوله، فكيف يستند إلى أصول لا يستطيع الدفاع عن تداعيها، بل انهيارها بأدلة دامغة كدوران الأرض؟! .. بل يقول أعلى: (سلمت لك تنزلا بأن الأرض تدور تحقيقا وأنها ليست ثابتة في مركز الكون، فكان ماذا؟) .. أقول: كان الكثير ... كان الإجماع الذي يُنسب إلى السلف بالقول بثبات الأرض زيفاً من القول، لأنه ليس إجماعاً  وإن كان قال به بعض المفسرين المنتسب أغلبهم إلى الخلف وليس السلف، ..  بينما كان السلف يتورعون عن الخوض فيما لا يعلمون، كما أنهم قد نُهوا عن السؤال، .. فكيف يجيبون عما نُهوا عن السؤال عنه، أو قال به بعضهم بمحض الرأي؟! .. ومن أسباب منعهم أن من القرآن ما قد نزل للبشر إلى يوم القيامة، وقد يسألون – إن سألوا - ما تجاوز إجابته ثقافتهم العربية المحلية. .. كما وأن المسائل الطبيعية ليست مما يمكن أن يكون السلف قد تشربوه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما العقائد والعبادات والمعاملات إلا أن يكون حديثاً نبوياً صريحاً، وعندها لا يقال أنه قول أو فهم السلف .. أوليس هذا التعميم بإحاطة علم السلف المنقول هو أصل الأصول التي ينادي بها أبو الفاء ؟! .. ألا يسقط زعمه بهذا الأصل إذا قامت عليه الحجة بأن الأرض ثابتة ، وهو القول الذي ينسبه إلى السلف وأنه من حاد عنه فقد حاد عن الإسلام تأويلاً منه (مداخلة #32)) لقول الله تعالى "وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً" ... كيف يدافع عنه بغير تحقيق قول واحد فيه (في ثبات الأرض أو دورانها) على الأقل ؟! .. بل إنه يتهرب .. لأنه لا يستطيع الدفاع .. لأنه قول فاسد في نفسه .. وهو يعلم ذلك. فليس أمامه إذاً إلاّ الهروب. ولو انسحب معترفاً بأن المسألة لا حل لها عنده لكان أكثر مصداقية. .. أمّا أن يزعم خلاف ذلك الآن من انفصال المسألة عما نحن بصدده، وهو ما يخالف زعمه من قبل (مداخلة # 11) بأن الأمر غير قابل للحسم اعتماداً على نسبية الحركة .. ، تهويناً أو تسخيفاً منه لأدلة دوران الأرض، .. فهذا يجعل قيمة كلامه العلمي .. بل والفلسفي .. بل الاتساقي في علل هروبه من الدفاع عن لازم أصوله .. في خبر كان!!
وهذا الأصل الراسخ عنده – بعصمة مجموع قول السلف، رغم شيوع الاختلاف بينهم، فيما يُسميه خطءاً الإجماع - ليس إلاّ أصل دوجمائي، فلا هو شرعي، ولا هو فلسفي ..!! أما الفلسفة العلمية، فلم يتولاها أبو الفداء إلا للتشويش على الطبيعيين فيما يوردونه من أدلة طبيعية إذا جاءت على خلاف قول مذهبه الذي ينسبه إلى السلف فيما يظنه هو. أي أنها ذريعة أو تُقية، وليست ولاية لا للعلم، ولا للفلسفة، بل لزيادة مناعة المذهب. بمعنى أنه لا يؤمن بالفلسفة أيضاً، ولكنها اليوم أصبحت ذات نفع للدفاع عن الدوجمائيات، وذلك في تشويشها على ما أصبح أشد خطراً منها، أي الطبيعيات. وإذا سقطت الأقنعة، تبين أن ما في جعبة أبو الفداء فيما يدعيه من أصول، ليس إلا دوجمائيات، وتشويشات فلسفية، واستثمار للخلافات والاشتباهات الطبيعية في نصرة المذهب.
أما باقي كلام خصمي في عبارته التي نحن بصددها، والتي ختم بها مُداخلة انسحابه، فليس إلا كلام خَطَابي، وهو أدنى قوة من الجدلي، وهذا بدوره أدنى من الفلسفي، وهذا الأخير أدنى كثيراً من العلمي. دركاتٌ بعضها تحت بعض .. فـ إلى أين يريد أبو "الفداء ابن مسعود" الهبوط بالأمة فكرياً أدنى مما هبطت إليه ؟!!!
(# 89[ملحق 1]
تحت عنوان:

دليل وحدة السنن الطبيعية عبر أيام الخلق الستة، وحتى يومنا هذا

وضعت على (ملتقى أهل التفسير) دليلي الذي لا يستطيع بعده - خصمي أو من يقتفى أثره – الدفاع عن موقفه، الذي تمسك فيه بأن أيام الخلق الستة قد انتهت باستواء الله تعالى على العرش، وأن سنن الدنيا (الشهادة) تبدأ فقط من تلكم اللحظة الفارقة التي تبدأ فقط بنهاية اليوم السادس. وفي هذا الدليل قلت الآتي:

 الأخوة الأعزاء:

هل كان خلق آدم واقعاً في اليوم السادس من أيام الخلق أو بعد انقضائه؟!
إن كان آدم قد خُلق قبل انقضاء اليوم السادس، فلا بد وأن سنن الخلق في ذلك اليوم تجاري سنن الخلق التي نعهدها الآن. وإلا كان آدم - بعد أن أُهبط إلى الأرض - يعيش في كون ذي سنن طبيعية مغايرة لكوننا!! 
ولكن الحديث الصحيح يؤكد أن خلق آدم وهبوطه إلى الأرض كان بعد صلاة العصر من يوم الجمعة – الذي هو اليوم السادس من أيام خلق السموات والأرض. على النحو التالي.

قال r : [خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه .. – الألباني صحيح]
وقال ابن تيمية :[والله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وكان آخر الخلق يوم الجمعة وفيه خلق آدم وهو آخر ما خلق خلق يوم الجمعة بعد العصر في آخر يوم الجمعة](مجموع الفتاوى، 11 / 97)
وقال ابن حجر في فتح الباري:  [عن ابن عباسٍ ، أنه سئل عن تلك الساعة التي في الجمعة (التي فيها إجابة الدعاء)، فقال : خلق الله آدم بعد العصر يوم الجمعة ، وخلقه من أديم الأرض كلها ، فأسجد له ملائكته ، وأسكنه جنته فلله ما أمسى ذلك اليوم حتى عصاه ، فأخرجه منها . خرّجه عبد الرزاق وغيره .
وهذا يدل على ترجيح ابن عباسٍ لما بعد العصر في وقت هذه الساعة ؛ لخلق آدم فيها ، وإدخاله الجنة ، وإخراجه منها]

أي أن نهاية اليوم السادس – أي غروب شمس يوم الجمعة الذي فيه خُلق آدم u  لاحق لخلق آدم وهبوطه إلى الأرض، وليس سابق له!
أي أن آدم u عاش على الأرض وتنفس هواءها في اليوم السادس من أيام الخلق!!

وهذا هو دليلي – من الحديث النبوي ومَنْ قَرَأْنَا أقوالهم أعلى – على أن سنن الخلق متصلة، وليست منفصلة كما قال (أبو الفداء ابن مسعود) عند نهايةٍ سمَّاها – الخط المتافيزيقي – وقال أنه واقع في نهاية اليوم السادس، آخر أيام الخلق، وأن ما بعد هذا الخط من سنن طبيعية نعلمها، تختلف عن سنن الخلق قبل هذا الخط!!.. وذلك في نزاعه معي في هذه المسألة. في المداخلات #15، #33، #35، #81 من موضوع (هل تفسر آيات خلق السماوات والأرض بنظرية "الانفجار العظيم"؟)

فمن رأى في استدلالي هذا أي خطأ، فليُرِنِي إياه، وأكون له شاكراً.
ولم يستطع أحد أن يُعقب بتخطئتي .. وإذا ما حدث ذلك فسوف أنشره في هذا الموضع على الفور.